نفسه عواقب هذا الغدر والمكر ، حتى تلوح له بوادر فشله ، وخيبته. إذ لا بد أن يحيق به مكره السيئ ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
والملفت للنظر هنا بالذات : أنه «صلىاللهعليهوآله» لا يختار لهذه المهمة أناسا عاديين ، بل يختار لها الرؤساء والكبراء الذين يحترمهم رؤساء بني قريظة. وقد اختار «صلىاللهعليهوآله» أن يكونوا جميعا من الأنصار ، وفيهم خصوص سعد بن معاذ ، سيد الأوس ، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ، لكي يلمس اليهود وجود التفاهم والانسجام الكامل ، والعميق والراسخ فيما بين هاتين القبيلتين ، اللتين لهما تاريخ طويل من الصراع. ثم ليستمعوا من هذين الزعيمين ، وخصوصا من سعد بن معاذ ، ما يزيل لهم كل شبهة ويدفع أي لبس أو تشكيك في حقيقة موقفهما.
مع ملاحظة : أن بين بني قريظة وبين الأوس حلف وعهد ، يلزمهم الوفاء به. ثم إن هذه البادرة منه «صلىاللهعليهوآله» ما هي إلا تعبير لهم عن حسن النية ، وتدخل في سياق تهيئة الأجواء لهم ليعودوا عن قرارهم الخياني ، إذا كانوا يطمعون بوفاء سعد وقبيلته لهم ، وهم الذين يفترض بهم أن يعيشوا معهم بعد رحيل الأحزاب ، وعليهم أن يفكروا بأن لا يحرقوا السفن وراءهم ، فإن ذلك سوف يحرمهم من السلامة في نهاية المطاف.
طريقة الرمز في نقل المعلومات الحساسة :
وقد طلب «صلىاللهعليهوآله» من رسله إلى بني قريظة : أن يستعملوا طريقة الرمز في تأدية المعلومات إليه ، إذا كانت تلك المعلومات ذات طابع خاص يميزها بالخطورة والحساسية ، وكان للجهر بها أثر سلبي على المعنويات.