فطرح نفسه رحمة لفرخه. والله ، لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه (١).
وما يلفت في هذه الرواية ـ على تقدير صحتها ، ولا نرى داعيا للوضع فيها ـ هو أننا نجده «صلىاللهعليهوآله» يستفيد حتى من مناسبة كهذه ليقوم بدوره في تعريف أصحابه على أمر يلزمهم أن يعرفوه بعمق وصفاء. وذلك من خلال الاستفادة من أسلوب التجسيد الظاهر للحقيقة التي يراد اطلاعهم عليها ، وإقناعهم بها. حيث يكون ذلك أوقع في النفس مما لو اكتفى بأسلوب التعليم النظري والمجرد ، خصوصا إذا أدركنا : أن هذا التجسيد قد ترك أثره النفسي فيهم ، وأثار فيهم انفعالات ظهرت على شكل تعجب من رحمة ذلك الطائر بولده ، فكان لا بد من الاستفادة من هذه الحالة النفسية وتوظيفها لصالح الإدراك الشعوري بالحقيقة التي يراد لهم لمسها ، بروحهم وبمشاعرهم بالدرجة الأولى ، ثم بعقلهم في مرحلة لاحقة.
النبي صلىاللهعليهوآله يعالج ابن الأعرابية :
وروي : أنه في هذه الغزوة جاءت امرأة بدوية بابنها إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فقالت له : يا رسول الله ، هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان ، ففتح فاه فبزق فيه ، وقال : اخسأ عدو الله أنا رسول الله.
ثم قال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لها : شأنك بابنك ، لن يعود إليه
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٤ والمغازي للواقدي ج ١ ص ٣٩٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١٦٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٨٦ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٣ ص ٣٧٩.