استمراد الإجتهاد والمناقشة في آراء الشيخ :
لقد نقل صاحب المعالم عن والده ـ الشهيد الثاني ـ رحمه الله بأنّ أكثر الفقهاء الّذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليداً له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنّهم به ، فلمّا جاء المتأخّرون وجدوا أحكاماً مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه فحسبوها شهرة بين العلماء ، وما دروا أنّ مرجعها إلى الشيخ وأنّ الشهرة إنّما حصلت بمتابعته .
قال الوالد ـ قدس الله نفسه ـ : وممّن اطلع على هذا الذي تبيّنته وتحقّقته من غير تقليد : الشيخ الفاضل المحقّق سديد الدين محمود الحمصي ، والسيد رضيّ الدين بن طاووس ، وجماعة .
وقال السيد ـ رحمه الله ـ في كتابه المسمّى بـ « البهجة لثمرة المهجة » : أخبرني جدّي الصالح ـ قدس الله روحه ـ ورّام بن أبي فراس ـ قدس الله روحه ـ أنّ الحمصي حدّثه أنّه لم يبق مفتٍ للإمامية على التحقيق بل كلّهم حاكٍ ، وقال السيد عقيب ذلك : والآن فقد ظهر لي أنّ الذي يُفتىٰ به ويُجاب على سبيل ما حفظ من كلام المتقدّمين (٢٢) .
ولكن هذا الكلام على إطلاقه غير تام ، لما نرى من أنّ ابن البرّاج قد عاش بعد الشيخ أزيد من عشرين سنة ، وألّف بعض كتبه كالمهذّب بعد وفاة الشيخ وناقش آراءه بوضوح ، فعند ذلك لا يستقيم هذا القول على إطلاقه : « لم يبق مفت للإمامية على التحقيق بل كلهم حاك » .
وخلاصة القول أنّ في الكلام المذكور نوع مبالغة ، لوجود مثل هذا البطل العظيم ، وهذا الفقيه البارع .
مدى صلته بالشيخ الطوسي :
قد عرفت مكانة الشيخ ومنزلته العلمية ، فقد كان الشيخ الطوسي ينظر إليه بنظر الإكبار والإجلال ، ولأجل ذلك نرى أنّ الشيخ ألّف بعض كتبه لأجل التماسه
____________________________
(٢٢) معالم الدين ـ الطبعة الجديدة ـ المطلب الخامس في الإجماع ص ٤٠٨ .