وأقول :
لا يخفى أنّ كون المعنى الأوّل عقليّا عندهم لا دخل له بالمقام ؛ لأنّ الكلام في جواز بعث الله سبحانه لصاحب الصفات المذكورة ، والبعث من أفعال الله تعالى لا صفاته حتّى يكون وصف نقص أو كمال ، وكون تلك الأمور نقصا في صاحب الدعوة مسلّم ، إلّا أنّ الكلام في جواز بعث الله للناقص ، الذي هو من أفعال الله تعالى التي لا تتّصف عندهم بالقبح أصلا كخلقه لسائر القبائح والفواحش.
وأمّا المعنى الثاني ، فهو وإن ثبت في الأفعال إلّا أنّ أفعال الله تعالى عندهم لا تعلّل بالأغراض ، فلا ملاءمة ولا منافرة فيها مع ما عرفت من الكلام في كونه عقليّا ، فراجع (١).
وبالجملة : لو سلّم قولهم بالحسن والقبح العقليّين بهذين المعنيين لم يلزم عدم جواز بعث الله تعالى صاحب الأوصاف المذكورة ، بل يجوز عندهم بعث مثله ، إذ لا يقبح عندهم من الله سبحانه شيء وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وقد سبق أنّهم جوّزوا بعض المعاصي على الأنبياء ، بحجّة عدم دلالة المعجزة على امتناعه (٢) ، وهو آت في المنفّرات المذكورة.
ويدلّ على تجويزهم إرسال صاحب هذه الأوصاف أنّ صاحب
__________________
(١) راجع ج ٢ / ٤١٣ من هذا الكتاب.
(٢) انظر الصفحات ١٧ و ٢٨ وما بعدها من هذا الجزء.