فأرادوا أن يشدوا بنيانها ، وأن يرفعوا بابها ، حتى لا يدخلها إلا من شاءوا وأعدوا لذلك نفقة ، وعمالا ، ثم عمدوا إليها ليهدموها على شفق وحذر من أن يمنعهم الله الذي أرادوا.
قال ابن إسحاق (١) : وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ويهابون هدمها ، وإنما كانت رضما (٢) فوق القامة ، فأرادوا رفعها وتسقيفها ، وذلك أن نفرا سرقوا كنز الكعبة ، وإنما كان يكون فى بئر فى جوف الكعبة.
قال : وكان الذي وجد عنده الكنز دويك مولى لبنى مليح بن عمرو ، من خزاعة قال ابن هشام : فقطعت قريش يده. وتزعم قريش أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك.
قال : وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم فتحطمت فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها ، وكان بمكة رجل قبطى نجار ، فتهيأ فى أنفسهم بعض ما يصلحها.
وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها ما يهدى لها ، فتتشرف على جدار الكعبة ، وكانت مما يهابون ، وذلك أنه كان لا يدخلها أحد إلا احزألت (٣) وكشت (٤) وفتحت فاها ، فكانوا يهابونها. فبينا هى يوما تتشرف على جدار الكعبة كما كانت تصنع ، بعث الله إليها طائرا فاختطفها ، فذهب بها.
فقالت قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضى ما أردنا ، عندنا عامل رفيق وعندنا خشب ، وقد كفانا الله الحية.
فلما أجمعوا أمرهم فى هدمها وبنيانها ، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم ، فتناول من الكعبة حجرا فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه ، فقال : يا معشر قريش ، لا تدخلوا فى بنيانها من كسبكم إلا طيبا ، لا تدخلوا فيها معر بغى ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس. والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (٥).
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ١٦٨).
(٢) رضما : الرضم الحجارة يجعل بعضها على بعض.
(٣) احزألت : أى رفعت رأسها.
(٤) كشت : صوتت باحتكاك بعض جلدها ببعض.
(٥) ذكره الطبرى فى تاريخه (١ / ٥٢٥) ، البيهقي فى الدلائل (٢ / ٦١).