قال ابن إسحاق (١) : ثم إن القبائل من قريش ، جمعت الحجارة لبنيانها ، كل قبيلة تجمع على حدة ، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن ، فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تجاوزوا وتحالفوا ، وأعدوا للقتال ، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدى على الموت ، وأدخلوا أيديهم فى ذلك الدم فى تلك الجفنة ، فسموا لعقة الدم. فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ، ثم إنهم اجتمعوا فى المسجد ، فتشاوروا وتناصفوا.
فزعم بعض أهل الرواية ، أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وكان عامئذ أسن قريش كلها ، قال : يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه ، أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضى بينكم ؛ ففعلوا. فكان أول داخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما رأوه ، قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد. فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قالصلىاللهعليهوسلم : «هلم إلى ثوبا». فأتى به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال : «لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا». ففعلوا : حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلىاللهعليهوسلم ، ثم بنى عليه (٢).
وكانت الكعبة على عهد النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ثمانى عشرة ذراعا ، كانت تكسى القباطى ، ثم كسيت البرود. وأول من كساها الديباج ، الحجاج بن يوسف. هذا قول ابن إسحاق (٣). وقال الزبير : أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير.
وذكر جماعة سواهما منهم الدّارقطني : أن نتلة بنت جناب ، أم العباس بن عبد المطلب ، كانت قد أضلت العباس يومئذ وهو صغير ، فنذرت إن هى وجدته أن تكسو الكعبة الديباج ، ففعلت ذلك حين وجدته.
وذكر الزبير أن الذي أضلته نتلة بنت جناب إنما هو ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس ، ونذرت أن تكسو البيت إن وجدته ، فكسته حين وجدته ثيابا بيضا ، فالله تعالى أعلم.
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ١٧١).
(٢) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٣ / ٤٢٥) ، مسند أبى داود الطيالسى (١١٣) ، مستدرك الحاكم (١ / ٤٥٨) ، دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ٥٦ ، ٥٧) ، مصنف عبد الرزاق (٥ / ٩٨ ، ١٠٠) ، الهيثمى فى المجمع (٣ / ٢٩٢).
(٣) انظر : السيرة (١ / ١٧٣).