وقيل للشعبى : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، أما كان ينزل فى سائر السنة؟ قال : بلى ، ولكن جبريل عليهالسلام ، كان يعارض محمدا صلىاللهعليهوسلم فى شهر رمضان ما أنزل فى ماضى السنة فيمحو الله ما يشاء ويثبت.
قال ابن إسحاق (١) : ثم تتام الوحى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو مؤمن بالله مصدق لما جاءه منه ، قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم. وللنبوة أثقال ومئونة لا يحملها ، ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله وتوفيقه ، لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله عزوجل.
فمضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أمر الله على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى. وآمنت به خديجة بنت خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ، وآزرته على أمره. فكانت أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء منه.
فخفف الله بذلك عن رسوله ، لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس. يرحمها الله (٢).
ثم فتر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوحى حتى شق عليه وأحزنه. فجاءه جبريل بسورة (وَالضُّحى) ، يقسم له ربه جل وعلا ، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به ، ما ودعه ولا قلاة.
فقال : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) ، يقول : ما حرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك ، (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) أى لما عندى من مرجعك إلى خير لك مما عجلت لك من الكرامة فى الدنيا ، (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) من الفلج فى الدنيا والثواب فى الآخرة ، (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) (٣).
يعرفه بما ابتدأه به من كرامته فى عاجل أمره ، ومنه عليه فى يتمه وعيلته وضلالته ، واستنفاذه من ذلك برحمته ، (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أى لا تكن جبارا ولا متكبرا ولا فحاشا فظا على الضعفاء من بعاد الله ، (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) اذكرها وادع إليها (٤).
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ٢٠٤).
(٢) انظر : السيرة (١ / ٢٠٥).
(٣) انظر : السيرة (١ / ٢٠٦).
(٤) انظر : السيرة (١ / ٢٠٧).