قال ابن إسحاق (١) : ثم كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلىاللهعليهوسلم وصلى وصدق بما جاءه من الله تبارك وتعالى ، علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، وهو ابن عشر سنين يومئذ.
وكان مما أنعم الله به عليه أنه كان فى حجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل الإسلام. وذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للعباس عمه ، وكان من أيسر بنى هاشم : «يا عباس ، إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا إليه فلنخفف عنه من عياله ، آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكفهما عنه» ، قال العباس : نعم ، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب ، فقالا : إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه ، فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لى عقيلا فاصنعا ما شئتما ، ويقال : عقيلا وطالبا ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليّا فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه ، فلم يزل علىّ مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى بعثه الله نبيا فاتبعه على وآمن به وصدقه ، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه (٢).
وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة ، وخرج معه على بن أبى طالب مستخفيا من أبى طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا. فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول الله : يا ابن أخى ، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟! قال : «أى عم ، هذا دين الله ودين ملائكته ورسله ، ودين أبينا إبراهيم». أو كما قال صلىاللهعليهوسلم. «بعثنى الله به رسولا إلى العباد ، وأنت أى عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى ، وأحق من أجابنى إليه وأعاننى عليه». أو كما قال.
فقال أبو طالب : أى ابن أخى ، إنى لا أستطيع أن أفارق دين آبائى وما كانوا عليه ، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت (٣).
__________________
ـ الإسراء ، وذلك بعد ما نبئ بخمسة أعوام ، وقد قيل : إن الإسراء كان قبل الهجرة بعام ونصف ، وقيل : بعام ، فذكره ابن إسحاق فى بدء نزول الوحى ، وأول أحوال الصلاة.
(١) انظر : السيرة (١ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩).
(٢) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ١٦٢).
(٣) انظر الحديث فى : تاريخ الطبرى (٢ / ٣١٣).