فلما قال لهم ذلك أبو جهل قام النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصى ، فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم فى صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر. لا والله ما هو بساحر ، قد رأينا السحرة نفثهم وعقدهم. وقلتم : كاهن. لا والله ما هو بكاهن ، قد رأينا الكهنة تخالجهم وسمعنا سجعهم. وقلتم : شاعر ، لا والله ما هو بشاعر ، لقد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه. وقلتم : مجنون. لا والله ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه ، يا معشر قريش ، انظروا فى شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
فلما قال لهم ذلك النضر بن الحارث بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبى معيط إلى أحبار يهود بالمدينة ، وقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله ، فإنهم أهل الكتاب الأول ، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء.
فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله ، وقالا لهم : إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا!.
فقالت لهما أحبار يهود : سلوه عن ثلاث نأمركم بهن ، فإن أخبركم بهن فهو نبى مرسل ، وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم ، سلوه عن فتية ذهبوا فى الدهر الأول ما كان أمرهم؟ فإنه كان لهم حديث عجيب ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبأه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبى ، وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا فى أمره ما بدا لكم.
فأقبل النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط حتى قدما مكة ، فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد. أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء ، فإن أخبركم عنها فهو نبى ، وإن لم يفعل فالرجل متقول ، فروا فيه رأيكم.
فجاءوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألوه عن تلك الأشياء ، فقال لهم : «أخبركم بما سألتم عنه غدا» ، ولم يستثن ، فانصرفوا عنه ، ومكث رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما يذكرون خمس عشرة ليلة لا يحدث الله عزوجل ، إليه فى ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف آل مكة ، وقالوا : وعدنا محمد غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما