سألناه عنه. وحتى أحزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكث الوحى عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف والروح.
فذكر لى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل حين جاءه : «لقد احتبست عنى يا جبريل حتى سؤت ظنا». فقال له جبريل : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم : ٦٤] (١).
فلما جاءهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما عرفوا من الحق ، وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوه عنه ، حال الحسد منهم له بينهم وبين اتباعه وتصديقه ، فعتوا على الله وتركوا أمره عيانا ولجوا فيما هم عليه من الكفر ، فقال قائلهم : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٢٦] أى اجعلوه لغوا وباطلا ، واتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك ، فإنكم إن ناظرتموه وخاصمتموه غلبكم.
فقال أبو جهل بن هشام يوما وهو يهزأ برسول الله صلىاللهعليهوسلم وما جاء به من الحق : يا معشر قريش ، يزعم محمد أنما جنود الله الذين يعذبونكم فى النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر ، وأنتم أعظم الناس عددا وكثرة ، أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم؟!. فأنزل الله فى ذلك من قوله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) [المدثر : ٣١] إلى آخر القصة (٢).
فلما قال ذلك بعضهم لبعض ، جعلوا إذا جهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالقرآن وهو يصلى يتفرقون عنه ويأبون أن يستمعوا له ، فكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلى استرق السمع دونهم فرقا منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يستمع ، وإن خفض رسول الله صلىاللهعليهوسلم صوته فظن الذي يستمع أنهم لا يسمعون شيئا من قراءته وسمع هو شيئا دونهم أصاخ يستمع له (٣).
__________________
(١) ذكره الواحدى فى أسباب النزول (٢٥٢) ، ابن حجر فى فتح البارى (٨ / ٢٨٤).
(٢) ذكره الشوكانى فى فتح القدير (٥ / ٤٧١) ، وقال : أخرجه ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس ولم يذكر له إسنادا.
(٣) ذكره الطبرى فى تفسيره (١٥ / ١٦٤).