فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعفاؤها أربابا وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه ، وأبعدهم منه أخطأهم عنده ، قد محضته العرب ودادها وأعطته قيادها ، دونكم يا معشر قريش ابن أبيكم ، كونوا له ولاة ولحزبه حماة ، والله لا يسلك أحد منهم سبيله إلا رشد ، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد ، ولو كان لنفسى مدة ولأجلى تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهى.
ذكر خروج النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى الطائف
بعد مهلك عمه أبى طالب
قال ابن إسحاق (١) : ولما هلك أبو طالب ونالت قريش من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما لم تكن تنال منه فى حياته ، خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الطائف وحده يلتمس النصرة من ثقيف والمنعة بهم من قومه ، ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله.
فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ ، سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة ، عبد ياليل ومسعود وخبيب ، بنو عمرو بن عمير بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بنى جمح ، فجلس إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام على من خالفه من قومه ، فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ؛ وقال الآخر : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك! وقال الثالث : والله لا أكلمك أبدا! لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى لى أن أكلمك ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقد قال لهم فيما ذكر لى : إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا على. وكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يبلغ قومه فيذئرهم ذلك عليه. فلم يفعلوا ، أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس.
قال موسى بن عقبة : وقعدوا له صفين على طريقه ، فلما مر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة ، حتى أدموا رجليه. وزاد سليمان التيمى أنه صلىاللهعليهوسلم كان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه ، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون!.
__________________
(١) انظر : السيرة (٢ / ٢٩).