ذكر العقبة الثانية
قال ابن إسحاق (١) : ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم العقبة من أوسط أيام التشريق ، حين أراد الله ما أراد من كرامته والنصر لنبيه وإعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وأهله.
حدث كعب بن مالك (٢) ، وكان ممن شهد العقبة وبايع بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : خرجنا فى حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا ، ومعنا البراء بن معرور (٣) سيدنا وكبيرنا ، فلما وجهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة قال لنا البراء : يا هؤلاء ، إنى قد رأيت رأيا وو الله ما أدرى أتوافقوني عليه أم لا. فقلنا : وما ذاك؟ قال : رأيت ألا أدع هذه البنية منى بظهر ، يعنى الكعبة ، وأن أصلى إليها. فقلنا : والله ما بلغنا أن نبينا يصلى إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه. فقال : إنى لمصل إليها. فقلنا له : لكنا لا نفعل.
فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام وصلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة ، فلما قدمناها وقد كنا عبنا عليه ما صنع ، قال لى : يا ابن أخى انطلق بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أسأله عما صنعت فى سفرى هذا فإنه والله لقد وقع فى نفسى منه شيء لما رأيت من خلافكم إياى فيه ، فخرجنا نسأل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكنا لا نعرفه لم نره قبل ذلك ، فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عنه فقال : هل تعرفانه؟ فقلنا : لا. فقال : هل تعرفان العباس عمه؟ قلنا : نعم. وقد كنا نعرف العباس ، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا. قال : فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس.
فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس معه ، فسلمنا ثم جلسنا إليه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للعباس : هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال : نعم ، هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك ، فو الله ما أنسى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
__________________
(١) انظر : السيرة (٢ / ٤٨ ـ ٤٩).
(٢) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٢٢٣١) ، الإصابة الترجمة رقم (٧٤٤٧) ، شذرات الذهب (١ / ٥٦) ، تهذيب الكمال (١١٤٧) ، تاريخ الإسلام (٢ / ٢٤٣) ، تهذيب التهذيب (٨ / ٤٤٠ ، ٤٤١) ، خلاصة تذهيب الكمال (٣٢١) ، طبقات خليفة (١٠٣).
(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (١٧١) ، الإصابة الترجمة رقم (٦٢٢) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٣٩٢) ، طبقات ابن سعد (٣ / ٢ / ١٤٦) ، شذرات الذهب (١ / ٩) ، العبر (١ / ٣) ، الاستبصار (١٤٢).