عن بلادهم ، فهم من بين مفتون فى دينه وبين معذب فى أيديهم وبين هارب فى البلاد ، منهم بأرض الحبشة ، ومنهم بالمدينة وفى كل وجه.
فلما عتت قريش على الله وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة ، وكذبوا نبيه وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه ، أذن الله تبارك وتعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم فى القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم ، فكانت أول آية أنزلت فى إذنه فى الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى عليهم ، فيما بلغنى عن عروة بن الزبير ، وغيره من العلماء (١) ، قول الله تبارك وتعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج : ٣٩ ، ٤١].
ثم أنزل الله عليه : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أى حتى لا يفتن مؤمن عن دينه (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) [البقرة : ١٩٣] أى وحتى يعبد الله لا يعبد غيره.
بدء الهجرة إلى المدينة
قال ابن إسحاق (٢) : فلما أذن الله تبارك وتعالى لرسوله فى الحرب ، وبايعه هذا الحى من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه وأوى إليهم من المسلمين ، أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها واللحوق بإخوانهم من الأنصار ، وقال : إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها ، فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه فى الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة (٣).
فكان أول من هاجر إليها من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قريش من بنى مخزوم : أبو
__________________
(١) انظر الحديث فى : سنن الترمذى (٣١٧١) ، سنن النسائى الكبرى (٦ / ٤١١) ، المستدرك للحاكم (٢ / ٦٦) ، تفسير ابن كثير (٥ / ٤٣٠).
(٢) انظر : السيرة (٢ / ٧٧).
(٣) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٣ / ١٦٩).