حتى ينام فيثبون عليه ، فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكانهم قال لعلى بن أبى طالب : نم على فراشى وتسج بردى هذا الحضرمى الأخضر فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينام فى برده ذلك إذا نام (١).
فاجتمعوا له وفيهم أبو جهل ، فقال وهو على بابه : إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان لكم فيه ذبح ، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها! وخرج عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذ حفنة من تراب فى يده ثم قال : نعم ، أنا الذي أقول ذلك ، أنت أحدهم.
وأخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه ، وجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) إلى قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [يس : ٩].
حتى فرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال : ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا : محمدا. قال : خيبكم الله! قد والله خرج عليكم محمد ، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وضع على رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته ، أفلا ترون ما بكم؟!
فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ، ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا برد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقولون : والله ، إن هذا لمحمد نائما عليه برده ، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا ، فقام على عن الفراش ، فقالوا : والله لقد صدقنا الذي كان حدثنا (٢).
فكان مما أنزل الله من القرآن فى ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له قول الله سبحانه : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [الأنفال : ٣٠] (٣).
__________________
(١) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٢ / ٤٦٨) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ١٧٦) ، طبقات ابن سعد (١ / ٢١٢).
(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ١٧٧) ، فتح القدير للشوكانى (٤ / ٥١٠).
(٣) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (١ / ٣٤٨) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٧ / ٢٧) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٤).