وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو ، وكان طويل اللحية ، فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد ، ثم جمع عمارة يديه فلدمه بهما فى صدره لدمة خر منها. قال : يقول : خدشتنى يا عمارة! قال : أبعدك الله يا منافق ، فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك ، فلا تقربن مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقام أبو محمد ، رجل من بنى النجار ، وكان بدريا ، إلى قيس بن عمرو فجعل يدفع فى قفاه حتى أخرجه من المسجد. وكان قيس غلاما شابا لا يعلم فى المنافقين شاب غيره.
وقام رجل من بلحارث يقال له : عبد الله بن الحارث إلى رجل يقال له : الحارث بن عمرو وكان ذا جمة فأخذ بجمته يسحبه عنيفا على ما مر به من الأرض حتى أخرجه من المسجد.
قال : يقول المنافق : لقد أغلظت يا ابن الحارث. فقال له : إنك أهل لذلك يا عدو الله لما أنزل الله فيك ، فلا تقرب مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنك نجس. وقام رجل من بنى عمرو بن عوف إلى أخي ذوى بن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا وأفف منه (١) وقال : غلب عليك الشيطان وأمره.
فهؤلاء من حضر المسجد يومئذ ، من المنافقين فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بإخراجهم (٢).
ففى هؤلاء من أحبار يهود والمنافقين من الأوس والخزرج نزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها ، فيما بلغنى والله أعلم.
وقدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة وفد نصارى نجران ، ستون راكبا ، فدخلوا عليه المسجد حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية ، فى جمال رجال بنى الحارث بن كعب ، يقول بعض من رآهم يومئذ ، من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم.
وحانت صلاتهم فقاموا يصلون فى المسجد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : دعوهم. فصلوا إلى المشرق ، وكان فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، فى الأربعة عشر منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم : العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون
__________________
(١) أفف منه : أى قال له أف ، وهى كلمة تقال لكل ما يتفل ويضجر منه.
(٢) انظر : السيرة (٢ / ١٣٧).