إلا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح ، والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أحد بنى بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم وكان أبو حارثة هذا قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه فى دينهم ، فكان ملوكهم قد شرفوه ومولوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات ، لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده فى دينهم (١).
فلما وجهوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من نجران ، جلس أبو حارثة على بغلة له موجها [إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم] (٢) وإلى جنبه أخ له يقال له : كرز بن علقمة ، ويقال كوز بن علقمة ، فعثرت بغلة أبى حارثة فقال كوز : تعس الأبعد. يريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال له أبو حارثة : بل أنت تعست : قال : ولم يا أخى؟ قال : والله إنه للنبى الذي كنا ننتظره. فقال له كوز : فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا؟! قال : ما صنع بنا هؤلاء القوم ، شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه ، فلو فعلت نزعوا منا كل ما ترى.
فأضمر عليها منه أخوه كوز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك ، فهو كان يحدث عنه هذا الحديث (٣).
وكان أبو حارثة هذا ممن كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو والعاقب والسيد ، وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم فى عيسى عليهالسلام ، يقولون : هو الله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، ويقولون : هو ولد الله كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض. سبحان الله عما يصفون ، عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون. ويقولون : هو ثالث ثلاثة. وما من إله إلا إله واحد.
ففى كل هذا من قولهم قد نزل القرآن مدحضا حججهم ومبطلا دعاويهم ، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. قال الله العظيم : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) [المائدة : ٧٢].
__________________
(١) انظر : السيرة (٢ / ١٨٠).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وما أوردناه من السيرة.
(٣) انظر الحديث فى : دلائل النبوة للبيهقى (٥ / ٣٨٢ ، ٣٨٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٥ / ٥٩) ، طبقات ابن سعد (١ / ٣٥٧).