(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المائدة : ٧٢ ، ٧٥].
وقال عز من قائل : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة : ٣٠ ، ٣١].
ولما كلموا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمرهم بالإسلام ، فقال له حبران ممن كلمه منهم : قد أسلمنا. فقال لهما : «إنكما لم تسلما فأسلما». فقالا : بلى قد أسلمنا قبلك. فقال : «كذبتما ، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير». قالا : فمن أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلم يجيبهما (١).
فأنزل الله فى ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها.
فافتتح السورة بتنزيه نفسه سبحانه مما قالوا ، وتوحيده إياها بالخلق والأمر ، ردا عليهم ما ابتدعوا من الكفر وجعلوا معه من الأنداد ليعرفهم بذلك ضلالتهم. فقال جل قوله وتعالى جده : (الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران : ١ ، ٦].
ثم استمر سبحانه فيما شاء من التبيان لهم والإعذار إليهم والاحتجاج عليهم ، وإرشاد عباده المؤمنين إلى سبيل الضراعة إليه بأن لا يزيغ قلوبهم بعد إذ هداهم ، وأن يهب لهم من لدنه رحمة ، وما وصل بذلك من قوله الحق وذكره الحكيم.
__________________
(١) انظر الحديث فى : فتح البارى لابن حجر (٧ / ٦٩٩) ، تفسير ابن كثير (٢ / ٤١) ، فتح القدير للشوكانى (١ / ٤٦٦).