وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه ، وكر حمزة وعلىّ بأسيافهما على عتبة فذففا عليه ، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه.
وذكر ابن عقبة ، أنه لما طلب القوم المبارزة فقام إليهم ثلاثة نفر من الأنصار ، استحيا النبيّ صلىاللهعليهوسلم من ذلك لأنه كان أول قتال التقى فيه المسلمون والمشركون ورسول الله صلىاللهعليهوسلم شاهد معهم ، فأحب النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن تكون الشوكة ببنى عمه ، فناداهم أن ارجعوا إلى مصافكم ، وليقم إليهم بنو عمهم. فعند ذلك قام حمزة وعلىّ وعبيدة.
ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه أنه لا يحملوا حتى يأمرهم ، وقال : «إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل» (١).
ورسول الله صلىاللهعليهوسلم فى العريش معه أبو بكر الصديق ، وكان شعار أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أحد ، أحد.
وعدل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ يومئذ ـ صفوف أصحابه وفى يده قدح يعدل به القوم ، فمر بسواد بن غزية ـ حليف بنى عدى بن النجار ـ وهو مستنثل من الصف ـ أى بارز ـ فطعن فى بطنة بالقدح وقال : «استو يا سواد». فقال : يا رسول الله أوجعتني ، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى. فكشف رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن بطنه وقال : «استقد» ، فاعتنقه فقبل بطنه ، فقال له : «ما حملك على هذا يا سواد؟» (٢) قال : يا رسول الله ، حضر ما ترى ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك ، فدعا له بخير ، وقاله له.
ثم عدل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصفوف ورجع إلى العريش ، فدخله ومعه فيه أبو بكر ، ليس معه فيه غيره ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول : «اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد». وأبو بكر يقول : يا نبى الله ، بعض مناشدتك ربك ، فإن الله منجز لك ما وعدك.
وخفق رسول الله صلىاللهعليهوسلم خفقة وهو فى العريش ، ثم انتبه فقال : «أبشر يا أبا بكر ، أتاك نصر الله! هذا جبريل آخذا بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع» (٣). يريد الغبار.
ورمى مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتله ، فكان أول قتيل من المسلمين.
__________________
(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (٣٩٨٤ ، ٣٩٨٥) ، سنن أبى داود (٢٦٦٣).
(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢٧١) ، تاريخ الطبرى (٢ / ٣٢).
(٣) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٣ / ٢٨٤).