الله صلىاللهعليهوسلم مقبلا قال : «هذا رجل غادر» (١). فلما انتهى إليه وكلمة قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم نحوا مما قال لبديل وأصحابه. فرجع إلى قريش فأخبرهم. ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان ، أحد بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة ـ وكان يومئذ سيد الأحابيش ـ فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدى فى وجهه حتى يراه» (٢). فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادى فى قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله ، رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إعظاما لما رأى ؛ فقال لهم ذلك ، فقالوا له : اجلس. فإنما أنت أعرابى لا علم لك ؛ فغضب الحليس عند ذلك وقال : يا معشر القوم ، والله ما على هذا حالفناكم وما على هذا عاقدناكم ، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له؟! والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد. فقالوا له : كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.
ثم بعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عروة بن مسعود الثقفى فقال : يا معشر قريش إنى قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ ، وقد عرفت أنكم والد وأنى ولد ـ وكان لسبيعة بنت عبد شمس ـ وقد سمعت بالذى نابكم فجمعت من أطاعنى من قومى ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسى. قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجلس بين يديه ثم قال : يا محمد ، أجمعت أوشاب الناس ثم جئت إلى بيتك لتقضها بهم؟! إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا ، وأيم الله لكأنى بهؤلاء قد انكشفوا عنك. فرد عليه أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ وقال : أنحن ننكشف عنه! ثم جعل عروة يتناول لحية رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو كلمة والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله فى الحديد ، فجعل يقرع يده إذا فعل ذلك ويقول : اكفف يدك عن وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن لا تصل إليك. فيقول عروة : ويحك ما أفظك وأغلظك. فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال : من هذا يا محمد؟ قال : «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» (٣). قال : أى غدر هل غسلت سوءتك إلا بالأمس! يريد أن المغيرة
__________________
(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٤ / ٣٢٤) ، تفسير ابن كثير (٧ / ٣٢٨) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٦٦).
(٢) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٦٦).
(٣) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٤ / ٣٢٤) ، المطالب العالية لابن حجر (٤٣٤٧) ، تفسير ابن كثير (٧ / ٣٢٩).