«وأنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة ، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنها فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب : السيوف فى القرب لا تدخلها بغيرها».
فبينا رسول الله يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل ابن عمرو يرسف (١) فى الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقد كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرجوا وهم لا يشكون فى الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما يحمل عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون.
فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه ثم قال : يا محمد ، قد لجت القضية بيتى وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال : صدقت. فجعل ينتره بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين يفتنونى فى دينى؟! فزاد الناس ذلك إلى ما بهم.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا جندل اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صالحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله ، وإنا لا نغدرهم» (٢).
فوثب عمر بن الخطاب مع أبى جندل يمشى إلى جنبه ويقول : اصبر يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب! ـ ويدنى قائم السيف منه ـ يقول عمر : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ، فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية.
فلما فرغ من الكتاب اشهد رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين ، أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سهيل بن عمرو ، وسعد ابن أبى وقاص ومحمود بن مسلمة ، ومكرز بن حفص وهو مشرك وعلى بن أبى طالب وهو كان كاتب الصحيفة.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مضطربا فى الحل وكان يصلى فى الحرم ، فلما فرغ من الصلح
__________________
(١) انظر ترجمته فى : الثقات (٥ / ٥٦٨) ، الإصابة ترجمة رقم (٩٦٩٩) ، أسد الغابة ترجمة رقم (٥٧٧٥).
(٢) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٤ / ٣٢٥) ، تفسير ابن كثير (٧ / ٣٣٠) ، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (٧ / ١٣٥) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٦٩).