قام إلى هديه فنحره ثم جلس فحلق رأسه وأهدى عامئذ فى هداياه جملا لأبى جهل فى رأسه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين. فلما رآه الناس قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون ، وكان فيهم ـ يومئذ ـ من قصر فقال فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يرحم الله المحلقين». قالوا : والمقصرين يا رسول الله؟ قال : «يرحم الله المحلقين». قالوا : والمقصرين يا رسول الله؟ قال : «يرحم الله المحلقين» (١). قالوا : والمقصرين يا رسول الله؟ قال : «والمقصرين» (٢). فقالوا : يا رسول الله ، فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين؟ قال : «لم يشكوا»(٣).
ثم انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من جهة ذلك قافلا ، حتى إذا كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً).
ثم ذكر القصة فيه وفى أصحابه ، حتى إذا انتهى إلى ذكر البيعة فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). ثم ذكر من تخلف عنهم من الأعراب فاستوفى قصتهم. ثم قال : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ. عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً). ثم قال : (وَهُوَ
__________________
(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (١ / ٣٥٣ ، ٢ / ١٦ ، ٤ / ٧٠ ، ٦ / ٤٠٢) ، السنن الكبرى للبيهقى (٥ / ١٣٤) ، مشكل الآثار للطحاوى (٢ / ١٤٤) ، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (٢ / ١٠١) ، كنز العمال للمتقى الهندى (١٢٧٣٨ ، ١٢٧٣٩) ، البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ١٦٩ ، ٥ / ١٨٩) ، مصنف ابن أبى شيبة (١٤ / ٤٥٢ ، ٤٥٣) ، دلائل النبوة للبيهقى (٤ / ١٥١).
(٢) انظر الحديث فى : صحيح مسلم (٩٤٥ ، ٦٤٩) ، سنن الترمذى (٩١٢) ، سنن ابن ماجه (٣٠٤٤) ، مسند الإمام أحمد (١ / ٢٥٣ ، ٢ / ٧٩ ، ١٣٨ ، ٢٣١ ، ٤١١ ، ٤ / ٧٠ ، ٥ / ٣٨١ ، ٦ / ٣٩٣ ، ٤٠٢) ، سنن الدارمى (٢ / ٦٤) ، مصنف ابن أبى شيبة (١٤ / ٤٥٢ ، ٤٥٣) ، موطأ مالك (٣٩٥) ، دلائل النبوة للبيهقى (٤ / ١٥١) ، المعجم الكبير للطبرانى (١٩ / ٢٧٥) ، شرح السنة للبغوى (٧ / ٢٠٢).
(٣) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (١ / ٣٥٣).