فقالوا : يا جحدم ، أتريد أن تسفك دماءنا؟ إن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وأمن الناس ، فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد.
فلما وضعوه أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم. وقال لهم جحدم حين وضعوا سلاحه ورأى ما يصنع بهم : يا بنى جذيمة ضاع الضرب! قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه.
فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رفع يديه إلى السماء ثم قال : «اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» (١). وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لرجل انفلت منهم فأتاه بالخبر : «هل أنكر عليه أحد؟» فقال : نعم ، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه ، وأنكر عليه رجل أحمر مضطرب فرجعه فاشتدت مراجعتهما. فقال عمر بن الخطاب : أما الأول يا رسول الله فابنى عبد الله ، وأما الآخر فسالم مولى أبى حذيفة.
وذكروا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «رأيت كأنى لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها فاعترض فى حلقى منها شيء حين ابتعلتها فأدخل على يده فنزعه». فقال أبو بكر : هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون فى بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله (٢).
ثم لما كان من خالد فى بنى جذيمة ما كان دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على بن أبى طالب فقال : «يا على اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر فى أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك». فخرج على حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى إنه ليدى لهم ميلغة الكلب ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم على حين فرغ منه : هل بقى دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا : لا ؛ قال : فإنى أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مما لا يعلم ولا تعلمون.
ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره الخبر ، فقال : «أصبت وأحسنت».
ثم قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول : «اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» (٣) ، ثلاث مرات.
__________________
(١) انظر الحديث فى : مسند الإمام أحمد (٢ / ٦٣٨٢) ، السنن الكبرى للبيهقى (٩ / ١١٥).
(٢) ذكره ابن حجر فى فتح البارى (٧ / ٦٥٥).
(٣) انظر الحديث فى : فتح البارى لابن حجر (٧ / ٦٥٥).