خطيبا فى الناس فقال : أيها الناس ، أجاع الله كبد من جاع على درهم ، فقد رزقنى رسول الله صلىاللهعليهوسلم درهما كل يوم فليست بى حاجة إلى أحد (١).
وكانت عمرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى ذى القعدة ، وقدم المدينة فى بقيته أو فى أول ذى الحجة (٢).
وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه وحج عتاب بن أسيد بالمسلمين فيها وهى سنة ثمان ، وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم فى طائفهم ما بين ذى القعدة إذ انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى رمضان سنة تسع.
ولما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من سفره هذا منصرفا عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبى سلمى إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقى من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبى وهب قد هربوا فى كل وجه ، فإن كانت لك فى نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنه لا يقتل أحدا جاء تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض.
فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان فى حاضره من عدوه ، فقالوا : هو مقتول ، فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به ، ثم خرج حتى قدم المدينة ، فنزل على رجل من جهينة كانت بينه وبينه معرفة ، فغدا به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين صلى الصبح ، فصلى معه ثم أشار له إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : هذا رسول الله ، فقم إليه فاستأمنه ، فذكر أنه قام إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين جلس إليه فوضع يده فى يده ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يعرفه ، فقال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم» ، قال : أنا يا رسول الله كعب بن زهير ، فوثب عليه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، دعنى وعدو الله أضرب عنقه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «دعه عنك ، فإنه قد جاءنا تائبا نازعا» (٣). فغضب كعب على الأنصار لما صنع به صاحبهم ومدح المهاجرين دونهم إذ لم يتكلم فيه رجل منهم إلا بخير.
__________________
(١) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٤ / ٣٦٨).
(٢) ذكره مسلم فى صحيحه كتاب الحج (٢ / ٢١٧ ، ٩١٦) ، ابن كثير فى البداية والنهاية (٤ / ٣٦٨) ، أبو داود (١٩٩٤) ، الترمذى (٨١٥) ، أحمد فى المسند (١ / ٢٤٦ ، ٣٢١).
(٣) انظر الحديث فى : البداية والنهاية لابن كثير (٤ / ٣٦٩) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٥٨٣) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٩ / ٣٩٣ ، ٣٩٤).