عدى ، أو أخاه عاصم بن عدى ، أخا بنى العجلان ، فقال : «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه» ، فخرجا سريعين حتى أتيا بنى سالم بن عوف رهط مالك فقال مالك لمعن : انظرنى حتى أخرج إليك بنار من أهلى. فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ونزل فيهم من القرآن ما نزل : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : ١٠٧] إلى آخر القصة (١).
وقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة وقد كان تخلف عنه من تخلف من المنافقين ، وأولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق : كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة» ، وأتاه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون فصفح عنهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يعذرهم الله ولا رسوله ، فاعتزل المسلمون كلام أولئك النفر الثلاثة.
فحدث (٢) كعب بن مالك قال : ما تخلفت عن رسول الله فى غزوة غزاها قط ، غير أنى تخلفت عنه فى غزوة بدر ، وكانت غزوة لم يعاتب الله فيها ولا رسوله أحدا تخلف عنها ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما خرج يريد عير قريش فجمع الله بينه وبين عدوه على غير ميعاد ، ولقد شهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لى بها مشهد بدر ، وإن كانت غزوة بدر هى أذكر فى الناس منها.
وكان من خبرى حين تخلفت عنه فى غزوة تبوك أنى لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه فى تلك الغزوة ، والله ما اجتمعت لى راحلتان قط حتى اجتمعنا لى فى تلك الغزوة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قل ما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى حر شديد واستقبل سفرا بعيدا واستقبل غزو عدو كثير ، فجلى للناس أمرهم ليتأهبوا لذلك أهبته وأخبرهم خبره بوجهه الذي يريد ، والمسلمون من تبع رسول الله صلىاللهعليهوسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ ، يعنى بذلك الديوان ، فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفى له ذلك ما لم ينزل فيه وحى من الله تعالى ، وغزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار وأحبت الظلال فالناس إليها صعر ، فتجهز رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتجهز المسلمون معه ، وجعلت أغدو لأتجهز معهم فأرجع ولم أقض حاجة فأقول فى نفسى : أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك
__________________
(١) انظر الحديث فى : تفسير ابن كثير (٤ / ١٤٩).
(٢) انظر : السيرة (٤ / ١٥٧ ـ ١٥٨).