مثل ما صنع بعروة بن مسعود لكى يشغل كل رجل منهم إذا رجعوا إلى الطائف رهطه ، فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة يرعى فى نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت رعيتها نوبا عليهم ، فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين وضبر يشتد (١) يبشر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقدومهم ، فلقيه أبو بكر الصديق قبل أن يدخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبره بقدومهم يريدون البيعة والإسلام وأن يشترطوا شروطا ويكتتبوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابا. فقال أبو بكر رضى الله عنه للمغيرة : أقسمت عليك بالله لا تسبقنى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أكون أنا أحدثه. ففعل المغيرة. فدخل أبو بكر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره بذلك ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية.
ولما قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضرب عليهم قبة فى ناحية مسجده كما يزعمون فكان خالد بن سعيد هو الذي يمشى بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى اكتتبوا كتابهم ، كتبه خالد بيده وكانوا لا يطعمون طعاما ياتيهم من رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم.
وقد كان فيما سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يدع لهم الطاغية وهى اللات لا يهدمها ثلاث سنين فأبى ذلك عليهم ، فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى ، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام ، فأبى عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها. وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما كسر أوثانكم فسنعفيكم منه ، وأما الصلاة فلا خير فى دين لا صلاة فيه» ، [فقالوا : يا محمد ، فسنؤتيكها ، وإن كانت دناءة] (٢) ، فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابا أمر عليهم عثمان بن أبى العاص وكان من أحدثهم سنا فقال أبو بكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، إنى قد رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه فى الإسلام وتعلم القرآن (٣).
__________________
(١) ضبر يشتد : أى وثب ، ويقال : ضبر الفرس إذا جمع قوائمه ووثب.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط فى الأصل ، وما أوردناه من السيرة.
(٣) انظر الحديث فى : سنن أبى داود (٣ / ٣٠٢٦) ، مسند الإمام أحمد (٤ / ٢١٨).