وفد تجيب (١)
وقدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد تجيب ، وهم من السكون ، ثلاثة عشر رجلا ، قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم ، فسر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهم وأكرم منزلهم ، وقالوا : يا رسول الله ، سقنا إليك حق الله تعالى فى أموالنا. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ردوها ، فاقسموها على فقرائكم». فقالوا : يا رسول الله ، ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا. فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ما وفد علينا وفد من العرب بمثل ما وفد به هؤلاء الحى من تجيب. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الهدى بيد الله عزوجل فمن أراد به خيرا شرح صدره للإيمان».
وسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أشياء ، فكتب لهم بها ، وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن ، فازداد رسول الله صلىاللهعليهوسلم رغبة فيهم ، وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم.
فأقاموا أياما ، ولم يطيلوا اللبث ، فقيل لهم : ما يعجلكم؟ فقالوا : نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكلامنا إياه ، وما رد علينا.
ثم جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يودعونه ، فأرسل إليهم بلالا ، فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود. قال : «هل بقى منكم أحد»؟ قالوا : غلام خلفناه على رحالنا هو أحدثنا سنا ، قال : «أرسلوه إلينا». فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام : انطلق إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاقض حاجتك منه ، فإنا قد قضينا حوائجنا منه. وودعناه. فأقبل الغلام حتى اتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إنى امرؤ من بنى أبذى.
قال الواقدى : هو أبذى بن عدى ، وأم عدى تجيب بنت ثوبان بن سليم من مذحج ، وإليها ينسبون يقول الغلام : من الرهط الذين أتوك آنفا ، فقضيت حوائجهم ، فاقض حاجتى يا رسول الله. «وما حاجتك؟» قال : إن حاجتى ليست بحاجة أصحابى ، وإن كانوا قدموا راغبين فى الإسلام ، وساقوا ما ساقوا من صدقاتهم ، وإنى والله ما أعلمنى من بلادى إلا أن تسأل الله عزوجل أن يغفر لى ، وأن يرحمنى ، وأن يجعل غناى فى قلبى. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأقبل إلى الغلام : «اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه فى قلبه». ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه.
فانطلقوا راجعين إلى أهليهم ، ثم وافوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى الموسم بمنى سنة عشر ،
__________________
(١) راجع قدوم وفد تجيب فى : طبقات ابن سعد (١ / ٢ / ٦٠) ، البداية والنهاية (٤ / ٨٤) ، المنتظم لابن الجوزى (٣ / ٣٥٤).