فقالوا : نحن بنو أبذى. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما فعل الغلام الذي أتانى معكم؟» قالوا : يا رسول الله ، والله ما رأينا مثله قط ، ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله عزوجل لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الحمد لله ، إنى لأرجو أن يموت جميعا». فقال رجل منهم: أو ليس يموت الرجل جميعا يا رسول الله؟! قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تشعب أهواؤه وهمومه فى أودية الدنيا ، فلعل أجله أن يدركه فى بعض تلك الأودية ، فلا يبالى الله عزوجل فى أيها هلك».
قالوا : فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال وأزهده فى الدنيا وأقنعه بما رزق ، فلما توفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام ، قام فى قومه يذكرهم الله والإسلام ، فلم يرجع منهم أحد. وجعل أبو بكر الصديق رضى الله عنه يذكره ويسأل عنه ، حتى بلغه حاله وما قام به ، فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيرا.
فروة بن مسيك المرادى (١)
وقدم فروة بن مسيك المرادى على رسول الله صلىاللهعليهوسلم مفارقا لملوك كندة ، متابعا للنبى صلىاللهعليهوسلم وقال فى ذلك :
لما رأيت ملوك كندة أعرضت |
|
كالرجل خان الرجل عرق نسائها |
قربت راحلتى أؤم محمدا |
|
أرجو فواضلها وحسن ثرائها |
ثم خرج حتى أتى المدينة ، وكان رجلا له شرف ، فأنزله سعد بن عبادة عليه ، ثم غدا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو جالس فى المسجد ، فسلم عليه ، ثم قال : يا رسول الله ، أنا لمن ورائى من قومى ، قال : «أين نزلت يا فروة؟» قال : على سعد بن عبادة ، قال : «بارك الله على سعد بن عبادة». وكان يحضر مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلما جلس ، ويتعلم القرآن وفرائض الإسلام وشرائعه.
وكان بين مراد وهمدان قبيل الإسلام وقعة ، أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا ، حتى أثخنوهم فى يوم يقال له : «يوم الردم» ، وكان الذي قاد همدان إلى مراد «الأجدع ابن مالك» ، ففضحهم يومئذ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما وفد إليه : «يا فروة ، هل ساءك ما
__________________
(١) انظر : السيرة (٤ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧).