لقد دخلنا فيما دخل فيه الناس ، وصدقنا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وخلينا بينك وبين صدقات أموالنا ، وكنا لك عونا على من خالفك من قومنا.
قال خالد : قد فعلتم ، قالوا : فأوفد منا نفرا يقدمون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويخبرونه بإسلامنا ، ويقبسونا منه خيرا. قال خالد : ما أحسن ما دعوتم إليه ، وأنا أجيبكم ، ولم يمنعنى أن أقول لكم هذا إلا أنى رأيت الوفود تمر بكم فلا يهيجكم ذلك على الخروج ، فساءنى ذلك منكم حتى ساء ظنى بكم ، وكنتم على ما كنتم عليه من حداثة عهدكم بالشرك ، فخشيت أن يكون الإسلام لم يرسخ فى قلوبكم ، فأما إذا طلبتم ما طلبتم ، فأنا أرجو أن يكون الإسلام راسخا فى قلوبكم. قالوا : وما أنكرت منا؟ والله لقد كنا فى حيزك واخترناك على غيرك من عمال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما رأيت منا شيئا تكرهه ولا تنكره إلى يومنا هذا.
قال : اللهم غفرا ، لو لا أنى أنكرت منكم بعض ما ينكر ما قلت هذا ، أما تعلمون أنى أخذت من شاب منكم فريضة بنت مخاض ، فعقلتها ووسمتها بميسم الصدقة ، فجئتم بأجمعكم فأخذتموها ، ثم قلتم : إن شاء خالد فليأخذها من مرعاها ، فأمسكت عنكم وخفت أن يأتى منكم ما هو شر من هذا؟! فقالوا : فقد كان ، ونزعنا وتبنا إلى الله ، فلا نحول بينك وبين شيء تريده ، فبعث معهم وفدا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وفد زبيد عمرو بن معدى كرب (١)
وقدم عمرو بن معدى كرب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى أناس من قومه بنى زبيد ، فأسلم ؛ وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادى ، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له : محمد خرج بالحجاز ، يقال : إنه نبى ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فإن كان نبيا كما يقول ، فإنه لن يخفى علينا ، إذا لقيناه اتبعناه ، وإن كان غير ذلك علمنا علمه ، فإنه إن سبق إليه رجل من قومك سادنا وترأس علينا ، وكنا له أذنابا. فأبى عليه قيس وسفه رأيه ، فركب عمرو بن معدى كرب حتى قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأقام أياما ، فأجازه رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما كان يجيز الوفود ، وأنصرف راجعا إلى بلاده ، فأقام فى قومه بنى زبيد وعليهم فروة بن مسيك سامعا له مطيعا ، فلما توفى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ارتد عمرو ، ثم راجع الإسلام بعد ذلك.
__________________
(١) انظر : السيرة (٤ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨).