وفد بنى فزارة (١)
ولما رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من تبوك قدم عليه وفد بنى فزارة ، بضعة عشر رجلا ، فيهم خارجة بن حصن ، والحر بن قيس بن حصن ابن أخى عيينة بن حصن ، وهو أصغرهم ، فنزلوا فى دار زينب بنت الحارث ، وجاءوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقرين بالإسلام ، وهم مستنون على وكاف عجاف ، فسألهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن بلادهم ، فقال أحدهم : يا رسول الله ، أسنتت بلادنا ، وهلكت مواشينا ، وأجدب جنابنا ، وغرث عيالنا ، فادع لنا ربك يغثنا ، واشفع لنا إلى ربك ، وليشفع لنا ربك إليك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سبحان الله ويلك ، هذا أنا شفعت إلى ربى عزوجل ، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه؟ لا إله إلا هو العلى العظيم ، وسع كرسيه السموات والأرض ، فهى تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الجديد».
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله جل وعز ليضحك من شفعكم ، وأزلكم ، وقرب غياثكم».
فقال الأعرابى : يا رسول الله ، ويضحك ربنا عزوجل؟ قال : «نعم» ، قال الأعرابى:لن نعدمك من رب يضحك خير ، فضحك النبيّ صلىاللهعليهوسلم من قوله ، وصعد المنبر ، فتكلم بكلمات ، وكان لا يرفع يديه فى شيء من الدعاء إلا فى الاستسقاء ، فرفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه ، وكان مما حفظ من دعائه : «اللهم اسق بلادك وبهائمك ، وانشر رحمتك ، وأحى بلدك الميت ، اللهم اسقنا غيثا مغيثا مربعا طيبا ، واسعا عاجلا غير آجل ، نافعا غير ضار ، اللهم اسقنا رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا ، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء».
فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري ، فقال : يا رسول الله ، التمر فى المربد. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اسقنا» ، فعاد أبو لبابة لقوله ، وعاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لدعائه ، فعاد أيضا أبو لبابة لقوله ، وعاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم لدعائه ، فعاد أيضا أبو لبابة ، فقال : التمر فى المربد يا رسول الله. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره» ، قالوا : ولا والله ما فى السماء سحاب ولا قزعة ، وما بين المسجد وبين سلع من شجر ولا دار ، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس ، فلما توسطت
__________________
(١) راجع : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٣٥٣) ، طبقات ابن سعد (١ / ٢ / ٥٩) ، البداية والنهاية (٥ / ٧٩).