يا رسول الله توهمنى. قال : «لقد رأيتك». فقال المحاربى : أى والله ، لقد رأيتنى وكلمتنى ، وكلمتك بأقبح الكلام ورددتك بأقبح الرد بعكاظ وأنت تطوف على الناس. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم». ثم قال المحاربى : يا رسول الله ، ما كان فى أصحابى أشد عليك يومئذ ولا أبعد من الإسلام منى ، فأحمد الله الذي أبقانى حتى صدقت بك ، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معى على دينهم. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن هذه القلوب بيد الله عزوجل». فقال المحاربى : يا رسول ، استغفر لى من مراجعتى إياك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر» (١). ثم انصرفوا إلى أهليهم.
وفد طىء (٢)
وقدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد وطىء ، فيهم زيد الخيل (٣) ، وهو سيدهم ؛ فلما انتهوا إليه كلموه ، وعرض عليهم الإسلام ، فأسلموا ، فحسن إسلامهم ؛ وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما ذكر لى رجل من العرب بفضل ثم جاءنى ، إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل ، فإنه لم يبلغ كل ما فيه» ، ثم سماه زيد الخير ، وقطع له فيدا وأرضين معه ؛ وكتب له بذلك كتابا ، فخرج من عنده راجعا إلى قومه ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن ينج زيد من حمى المدينة» يسميها رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ باسم غير الحمى ، وغير أم ملدم.
وقال زيد حين انصرف :
أنيخت بآجام المدينة أربعا |
|
وعشرا يغنى فوقها الليل طائر |
فلما قضى أصحابها كل بغية |
|
وخط كتابا فى الصحيفة ساطر |
شددت عليها رحلها وسليلها |
|
من الدرس والشعراء والبطن ضامر |
فلما انتهى زيد من بلد نجد إلى ماء من مياهه ، يقال له : فردة أصابته الحمى ، فمات.
وقال لما أحس بالموت (٤) :
أمر تحل قومى المشارقى غدوة |
|
وأترك فى بيت بفردة منجد |
__________________
(١) انظر الحديث فى : طبقات ابن سعد (١ / ٢ / ٤٣) ، البداية والنهاية لابن كثير (٥ / ٨٩).
(٢) راجع : المنتظم لابن الجوزى (٣ / ٣٥٦) ، طبقات ابن سعد (١ / ٢ / ٥٩ ، ٦٥).
(٣) انظر ترجمته فى : الاستيعاب الترجمة رقم (٨٦٦) ، الإصابة الترجمة رقم (٢٩٤٨) ، أسد الغابة الترجمة رقم (١٨٧٧).
(٤) انظر الأبيات فى السيرة (٤ / ٢٠٣).