تدمر دنياها بطيش حلومها |
|
وما ضيعت من دينها فهو أكثر |
كذاك القرون قبل ذاك بظلمها |
|
وإسرافها تأتى الشرور فتخسر |
وكان لخنيعة امرأ فاسقا يعمل عمل قوم لوط ، فكان يرسل إلى الغلام من أبناء الملوك فيقع عليه فى مشربة له قد صنعها لذلك لئلا يملك بعد ذلك ، ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه وجنده قد أخذ مسواكا فجعله فى فيه علامة للفراغ من خبيث فعله.
حتى بعث إلى زرعة ذى نواس ، بن تبان أسعد ، أخى حسان ، وكان صبيا صغيرا حين قتل حسان ، ثم شب غلاما جميلا وسيما ذا هيئة وعقل ، فلما أتاه رسوله عرف ما يريد به ، فأخذ سكينا حديدا لطيفا فخبأه بين قدمه ونعله ، ثم أتاه فلما خلا معه وثب إليه ، فواثبه ذو نواس فوجأه حتى قتله ، ثم حز رأسه فوضعه فى الكوة التي كان يشرف منها ، ووضع مسواكه فى فيه ثم خرج على الناس ، فسألوه فأشار لهم إلى الرأس فنظروا فإذا رأس لخنيعة مقطوع ، فخرجوا فى أثر ذى نواس حتى أدركوه ، فقالوا : ما ينبغى أن يملكنا غيرك إذ أرحتنا من هذا الخبيث فملكوه ، واجتمعت عليه حمير وقبائل اليمن ، فكان آخر ملوك حمير ، ويسمى يوسف ، فأقام فى ملكه سنين (١).
قال ابن قتيبة : ثمانيا وستين سنة. إلى أن كان منه فى أهل نجران ما تقدم ذكره ، فكان ذلك سببا لاستئصال ملكه واستيلاء الحبشة على اليمن.
ذكر دخول الحبشة أرض اليمن
واستيلائهم على ملكها وذكر السبب فى ذلك
مع ما يتصل به من أمر الفيل
ولما انتهى زرعة ذو نواس إلى ما انتهى إليه بأهل نجران من التحريق والقتل ، أفلت منهم رجل من سبأ يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس له ، فسلك الرمل فأعجزهم ، فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر صاحب الروم ، فاستنصره على ذى نواس وجنوده ، وأخبره بما بلغ منهم ، فقال له : بعدت بلادك منا ، ولكنى سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين ، وهو أقرب إلى بلادك.
فكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره.
__________________
(١) انظر : السيرة (١ / ٤٣).