ويروى (بانقيا) وهي اليوم تعرف بالنخيلة. وفيها عظام هود وشعيب وصالح وعدّة من الأنبياء والأوصياء عليهم السّلام فاشتد بها الطلق فاستندت الى جذع نخلة نخرة قد سقط رأسها فولدته فاخضرت النخلة من وقتها وأثمرت وأينعت وسقط منها على مريم رطب جني ، وكان فيما روي في كانون من زمان الشتاء فلذلك تطعم النفساء التمر والرطب.
واشتد خوفها من زكريا ومن خالتها وكانت امها حنة قد ماتت وكفلتها ايساع حتى قالت (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) وروي انّها قالت يا ليتني قبل أن أرى في بني اسرائيل ما قد رأيت من الافتتان بسبي وباتهامهم لي إشفاقا منهم فناداها عيسى عليه السّلام (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) يعني نفسه و (هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) ثم ضرب برجله فانبعث من تحت رجله عين ماء جار فقال لها «كلي (وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أي صمتا (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).
فطابت نفسها وأكلت وشربت ثم حملته ورجعت الى الشام وكان مجيئها من الشام الى الكوفة ورجوعها في ثلاثة أيام فلقيها زكريا عليه السّلام ومعه خالتها فكلّماها فأشارت إليه ان كلمهما فانطقه الله حتى (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) إلى قوله (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) فطابت نفس زكريا وايساع خالتها وظهرت حجّتهم عند أهل بيتهم وعند الناس.
فأقبلت الى منزلها وقد حملت عيسى عليه السّلام على صدرها فخرج من عواتق القرية سبعون عاتقا فقلن لها قد (جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) ... الآية ، فأشارت إليه ، فقال عيسى عليه السّلام لهن : يا ويلكن ا تفترين على أمي ، اني عبد الله ... إلى قوله (ما دُمْتُ حَيًّا).
وتكلّم بالحكمة ثم صمت بعد ذلك الى أن أذن الله له بالكلام وروي انّه بعد ذلك بسبع سنين وروي بعد أربع سنين فأوتي الحكمة فأخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
وروي أن إبليس مضى في طلبه في وقت ولادته فلما وجده وجد الملائكة قد حفّت به فذهب ليدنو فصاحت به فقال : من أبوه؟ فقالوا له : مثله كمثل آدم. فقال : والله لأضلّن به أربعة أخماس الخلق.