من الأمثلة القليلة التي ذكرناها والتي هي نماذج فقط لسواها مما حفلت به المصادر نرى أنه ظهر بواسط عدد من كبار القراء الذين قرأوا القرآن الكريم في هذه المدينة ثم رحلوا في طلبه إلى بلاد كثيرة ، وتصدر بعضهم لإقرائه هناك وتتلمذ عليهم عدد من القراء في تلك البلدان ثم عادوا إلى واسط ، وتصدروا لإقراء القرآن الكريم ، وقد اعتمد هؤلاء القراء القراءات السبع ، والقراءات العشر في قراءاتهم. وقد نال هؤلاء القراء منزلة علمية وشهرة واسعة فشدّ الرحال إليهم عدد من طلبة العلم من شتى أنحاء العالم الإسلامي للقراءة عليهم والحصول على إجازاتهم العلمية.
وقد بلغ البعض منهم من سعة العلم والمعرفة بعلم القراءات أنهم ألفوا كتبا في ذلك اعتمدها القراء في تدريسهم بواسط ومدن أخرى ، ولا يزال للبعض منها نسخ خطية في مكتبات العالم ، ويدل هذا على أن علماء هذه المدينة كانوا قد أسهموا في هذا العلم إلى جانب العلماء المسلمين الذين اهتموا فيه.
ب ـ علم الحديث :
كان اهتمام بالحديث أهم ما يميز الحركة الفكرية بواسط ، فقد قدم إلى هذه المدينة عدد من الصحابة والتابعين واستوطنوها منذ تأسيسها وحدثوا فيها ، وقد سمع الحديث عليهم عدد من أهل واسط ورووا عنهم (١) ، ثم تناقلته الأجيال في هذه المدينة مما أدى إلى ظهور مجموعة كبيرة من العلماء الذين تخصصوا بالحديث ، وقد أوردت المصادر أسماء
__________________
ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ٥ / ١٦٩ (كتاب الكاف) ٥ / ٤٥٨ (كتاب الميم). الذهبي ، معرفة القراء ، ١ / ٢٧٠ ، ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٢ / ٤٥٢ ، ٤٥٦ ، ٥٠٠ ، ٥٠١. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٧٦ ، ١٠١ ، ١٦٠ ، ١٩٩ ، ٢٢٨ ، ٢٤٠ ، ٤١٧ ، ٤١٨ ، ٥٩٤ ، ٢ / ٤١ ، ٣٥٢. السيوطي ، بغية الوعاة ، ٢ / ٣٢٦.
(١) انظر : بحشل ، تاريخ واسط ، ٤٧ ـ ٤٨.