أخرى. كما سكن في هذه المدينة إلى جانب المسلمين عدد من الطوائف الدينية كانت علاقتهم بالمسلمين علاقة حسنة ، إلا أن الأجانب لعبوا دورا مهمّا لقيام الفتن المذهبية بواسط. وقد تبين لنا أن الثروة أصبحت هي الأساس الذي يحدد مركز الشخص الاجتماعي ، وأن عدم توزيع الثروة توزيعا عادلا في هذه المدينة أدى إلى انقسام المجتمع إلى ثلاث طبقات هي : طبقة الخاصة ، والطبقة المتوسطة ، وطبقة العامة ، وأن كل طبقة من هذه الطبقات تضم في صفوفها عدة فئات.
ومن الأمور المهمة التي توصلنا إليها في الفصل الخامس هو تقدم الحياة الفكرية في هذه المدينة ، فقد كانت أحد المراكز الثقافية المهمة في العالم الإسلامي آنذاك. إذ كثرت فيها المؤسسات التعليمية وتنوعت ، وشهدت نشاطا علميا واسعا. وظهر فيها عدد من كبار القراء والمحدّثين والفقهاء ، والنحويين والأدباء ، كانوا قد نالوا منزلة علمية كبيرة وشهرة واسعة ، فشد الرحال إليهم عدد من طلبة العلم من شتى أنحاء العالم الإسلامي للدراسة عليهم والحصول على إجازاتهم العلمية. كما ظهر فيها عدد من العلماء اختصوا في العلوم التاريخية ، والجغرافية ، والطب ، والصيدلة ، والفلك ، والرياضيات وعلوم أخرى ، وقد وصلتنا بعض مؤلفاتهم في هذه العلوم. وقد تبين لنا أن البيئة العلمية بواسط لم تكن في عزلة عن البيئات العلمية في العالم الإسلامي آنذاك ، فقد وفد إليها عدد من طلاب العلم لتلقي العلم فيها ، كما غادرها عدد من أبنائها إلى مختلف المراكز الثقافية في العالم الإسلامي طلبا للعلم. وأن تقدم الحياة الفكرية بواسط أدى إلى ظهور عدد من البيوتات العلمية في هذه المدينة ، برز أبناؤها بمختلف العلوم المعروفة آنذاك. ومن خلال تتبعنا للحياة الفكرية في العراق في هذه الفترة وجدنا أن واسط قد ورثت الكوفة والبصرة لأن كلتا المدينتين قد فقدت مركزها الثقافي الذي كانت تتمتع به في العصور العباسية الأولى.