أهل أو مال أو نفس ، فإذا أصاب أحدكم النقصان في أهل أو مال أو نفس ، ورأى لغيره غيره ؛ فلا يكونن ذلك له فتنة ، فإن المرء المسلم ما لم يغش دناءة ، يظهر تخشعا لها إذا ذكرت ، ويعزي به لئام الناس كالياسر (١) الفالج (٢) الذي ينتظر أول فوزة من قداحه ، توجب له المغنم ، وتدفع عنه المغرم ، فكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة إنما ينتظر إحدى الحسنيين إذا ما دعا الله ، فما عند الله هو خير له ، وإما إن يرزقه الله مالا ، فإذا هو ذو أهل ومال. الحرث حرثان : المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله لأقوام. قال سفيان بن عيينة : ومن يحسن التكلم بهذا الكلام إلا علي بن أبي طالب؟! كذا في الكنز (٨ / ٢٢٠) ومنتخبه (٦ / ٣٢٦). وذكره في البداية (٨ / ٨) عن ابن أبي الدنيا بإسناده عن يحيى فذكر من قوله : إن الأمر ينزل به من السماء ـ إلى الآخرة نحوه ، وفيما ذكره : فإذا هو ذو أهل ومال ومعه حسبه ودينه ، وإما أن يعطيه الله في الآخرة خير وأبقى ، الحرث حرثان : فحرث الدنيا المال والتقوى ، وحرث الآخرة الباقيات الصالحات.
أخرج البيهقي عن أبي وائل قال : خطب علي رضياللهعنه الناس بالكوفة ، فسمعته يقول في خطبته : أيها الناس إنه من يتفقّر افتقر ، ومن يعمّر يبتلى ، ومن لا يستعد للبلاء إذا ابتلي لا يصبر ، ومن ملك استأثر ، ومن لا يستشير يندم. وكان يقول من وراء هذا الكلام : يوشك أن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه ، وكان يقول : ألا لا يستحي الرجل أن يتعلم ، ومن يسأل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم ، مساجدكم يومئذ عامرة ، وقلوبكم وأبدانكم خربة من الهدى ، شر من تحت ظل السماء ، فقهاؤكم منهم تبدوا الفتنة ، وفيهم تعود. فقام رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين؟ قال : إذا كان الفقه في رذالكم ، والفاحشة في خياركم ، والملك في صغاركم ، فعند ذلك تقوم الساعة. كذا في الكنز (٨ / ٢١٨).
ذكر ابن كثير في البداية (٧ / ٣٠) أن عليا رضياللهعنه قام فيهم خطيبا ، فقال : الحمد لله فاطر الخلق ، وفالق الإصباح ، وناشر الموتى ، وباعث من في القبور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأوصيكم بتقوى الله ، فإن أفضل ما
__________________
(١) المقامر.
(٢) الفالج : الغالب في قمار.