الباب الأول
في أسماء هذه البلدة الشريفة
أعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ، ولم أجد أكثر من أسماء هذه البلدة الشريفة ، وقد استقصيتها بحسب القدرة حتى إني زدت على شيخ مشايخنا المجد الشيرازي اللغوي ـ وهو أعظم الناس في هذا الباب ـ نحو ثلاثين اسما ، فرقمت على ذلك صورة ليتميزوها ، وأنا أوردها مرتّبة على حروف المعجم.
أثرب
الأول : أثرب ـ كمسجد ، بفتح الهمزة وسكون المثلاثة وكسر الراء وباء موحدة ـ لغة في «يثرب» الآتي ، وأحد الأسماء كألملم ويلملم ، قيل : سميت بذلك لأنه اسم من سكنها عند تفرّق ذرية نوح عليهالسلام في البلاد ، وهل هو اسم للناحية التي منها مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم أو للمدينة نفسها ، أو لموضع مخصوص من أرضها؟ أقوال ، الأول لأبي عبيدة ، والثاني عن ابن عباس رضياللهعنهما ، ومشى عليه الزمخشري ، والثالث هو المعني بقول محمد بن الحسن أحد أصحاب مالك ويعرف بابن زبالة : وكانت يثرب أم قرى المدينة ، وهي ما بين طرف قناة إلى طرف الجرف ، وما بين المال الذي يقال له البرني إلى زبالة ، وقد نقل ذلك الجمال المطري عنه ، وزاد في النقل أنه كان بها ثلاثمائة صائغ من اليهود ، وابن زبالة إنما ذكر أن ذلك كان بزهوة ، وقد غاير بينها وبين يثرب ، وكأن الجمال فهم اتحادهما ، وقد قال عقب نقله لذلك عنه : وهو يعني يثرب معروفة اليوم بهذا الاسم ، وفيها نخيل كثيرة ملك لأهل المدينة وأوقاف للفقراء وغيرهم ، وهي غربي مشهد سيدنا حمزة ، وشرقي الموضع المعروف بالبركة مصرف عين الأزرق ، ينزلها الحاج الشامي في وروده وصدوره ، وتسميها الحجاج عيون حمزة ، وهي إلى اليوم معروفة بهذا الاسم ، أعني يثرب ، وربما قالوا فيها «أثارب» بصيغة الجمع ، وبه عبر البرهان ابن فرحون في مناسكه ، فلك أن تعده اسما آخر ، وهذا الموضع يثرب قال المطري : كان به منازل بني حارثة بطن ضخم من الأوس ، قال : وفيهم نزل قوله تعالى في يوم الأحزاب : (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) [الأحزاب : ١٣] ورجح به القول الثالث ، وذلك أن قريشا