الفصل الرابع
في تمكنهم بالمدينة ، وظهورهم على يهود ، وما اتفق لهم مع تبع
قال الشرقي : لما قدمت الأوس والخزرج المدينة تفرقوا في عاليتها وسافلتها ، ومنهم من نزل مع قوم من بني إسرائيل في قراهم ، ومنهم من نزل وحده لا مع بني إسرائيل ولا مع العرب الذين كانوا قد تألفوا إلى بني إسرائيل ، وكانت الثروة في بني إسرائيل ، كانوا نيفا على عشرين قبيلة ، ولهم قرى أعدّوا بها الآطام ، فنزلت الأوس والخزرج بينهم وحواليهم.
إقامة الأوس والخزرج مع اليهود
وقال ابن زبالة عن مشيخة من أهل المدينة قالوا : أقامت الأوس والخزرج بالمدينة ، ووجدوا الأموال والآطام والنخيل في أيدي اليهود ، ووجدوا العدد والقوة معهم ، فمكثت الأوس والخزرج ما شاء الله ، ثم إنهم سألوهم أن يعقدوا بينهم جوارا وحلفا يأمن به بعضهم من بعض ، ويمتنعون به ممن سواهم ، فتعاقدوا وتحالفوا واشتركوا وتعاملوا ، فلم يزالوا على ذلك زمانا طويلا ، وأمرت (١) الأوس والخزرج وصار لهم مال وعدد ، فلما رأت قريظة والنضير حالهم خافوهم أن يغلبوهم على دورهم وأموالهم ، فتنمروا لهم حتى قطعوا الحلف الذي كان بينهم ، وكانت قريظة والنضير أعدّ وأكثر ، وكان يقال لهما الكاهنان ، وبنو الصريح ، وفي ذلك يقول قيس بن الخطيم مثنيا عليهم :
كنا إذا رامنا قوم بمظلمة |
|
شدت لنا الكاهنان الخيل واعتزموا |
نسوا الرهون وآسونا بأنفسهم |
|
بنو الصّريح فقد عفّوا وقد كرموا |
قصة الفطيون ملك اليهود الطاغية
فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم خائفين أن تجليهم يهود ، حتى نجم (٢) منهم مالك بن العجلان أخو بني سالم بن عوف بن الخزرج وسوّده (٣) الحيان الأوس والخزرج ، وكان الفطيون ـ أي بالفاء المكسورة ، وقال ياقوت : الفيطوان ـ ملك اليهود بزهرة ، وكانت لا تهدى عروس بيثرب من الحيين الأوس والخزرج حتى تدخل عليه فيكون هو الذي يفتضها قبل زوجها ، فتزوجت أخت مالك بن العجلان رجلا من قومها ، فبينا مالك في
__________________
(١) أمرت : كثر مالها.
(٢) نجم : ظهر ونبغ.
(٣) سوّد فلان : جعله سيدا.