الفصل السادس
فيما كان بينهم من حرب بعاث
نقل رزين عن الشرقي أن الأوس والخزرج لبثوا بالمدينة ما شاء الله وكلمتهم واحدة ، ثم وقعت بين الأوس والخزرج حروب كثيرة حتى لم يسمع قط في قوم أكثر منها ولا أطول.
الحروب قبل بعاث
أولها : حرب سمير ، وسببه رجل من بني ثعلبة كان حليفا لمالك بن العجلان ، قتله رجل من الأوس يقال له سمير بالمهملة مصغرا. ثم حرب كعب بن عمرو ، ثم يوم السرارة ، وهو موضع بين بني بياضة والحماضة ، ثم يوم الديك ، وهو موضع أيضا ، ثم حرب بعاث ، وهو كان آخرها ، قتل فيه سراة الأوس والخزرج ورؤسائهم.
قلت : في كلام بعضهم أنه كان بين الأوس والخزرج وقائع من أشهرها يوم السرارة ، ويوم فارع ، ويوم الفجار الأول والثاني ، وحرب حضير بن الأسلت ، وحرب حاطب بن قيس ، إلى أن كان آخر ذلك يوم بعاث ، فقول الخطابي «يوم بعاث يوم مشهور كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج ، وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام على ما ذكره ابن إسحاق وغيره» مؤول بأن حروب الأوس والخزرج كلها قبل بعاث وبعده مكثت هذه المدة ، وإلا فهو مردود ، وسيأتي تعيين تاريخ يوم بعاث.
سبب حرب بعاث
وكان سببه أن الحروب المتقدمة كلها كان الظفر في أكثرها للخزرج على الأوس ، حتى ذهبت الأوس لتحالف قريظة ، فأرسلت إليهم الخزرج : لئن فعلتم فأذنوا بحرب ، فتفرقوا وأرسلوا إلى الخزرج : إنا لا نخالفهم ، ولا ندخل بينكم ، فقالت الخزرج لليهود : فأعطونا رهائن ، وإلا فلا نأمنكم ، فاعطوهم أربعين غلاما من بينهم ، ففرقهم الخزرج في دورهم ، فلما أيست الأوس من نصرة اليهود حالفت بطونا من الخزرج منهم بنو عمرو بن عوف ، وقال سائرهم : والله لا نصالح حتى ندرك ثأرنا ، فتقاتلوا ، وكثر القتل في الأوس لما خذلهم قومهم ، وخرج سعد بن معاذ الأشهلي ، فأجاره عمرو بن الجموح الحرامي ، فلما رأت الأوس أن أمرهم إلى قل عزموا على أن يكونوا حلفا للخزرج في المدينة ، ثم اشتوروا في أن يحالفوا قريشا ، فأظهروا أنهم يريدون العمرة ، وكان بينهم أن من أراد حجا أو عمرة لم يعرض له ، فأجار أموالهم بعدهم البراء بن معرور ، فأتوا مكة فحالفوا قريشا ، ثم جاء أبو جهل ـ وكان غائبا ـ فنقض حلف قريش بحيلة احتالها.