الفصل العاشر
في دخوله صلىاللهعليهوسلم أرض المدينة ، وتأسيس مسجد قباء
كان المسلمون بالمدينة قد سمعوا بمخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة أول النهار فينتظرونه ، فما يردهم إلا حرّ الشمس ، فبعد أن رجعوا يوما أو في رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه ، فبصر برسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه مبيضين ، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا بني قيلة ـ يعني الأنصار ـ وفي رواية : يا معشر العرب ، هذا جدكم ، يعني حظكم ـ وفي رواية : صاحبكم الذي تنتظرونه ـ فثار المسلمون إلى السلاح ، فتلقّوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بظهر الحرة ، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف بقباء على كلثوم بن الهدم ، قيل : وكان يومئذ مشركا ، وبه جزم ابن زبالة ، وقال رزين : نزل في ظل نخلة ، ثم انتقل منها إلى دار كلثوم أخي بني عمرو بن عوف ، وفي «أخبار المدينة» ليحيى الحسيني جد أمراء المدينة اليوم في النسخة التي رواها ابنه طاهر بن يحيى عنه من طريق محمد بن معاذ ، قال : حدثنا مجمّع بن يعقوب عن أبيه وعن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش عن عبد الرحمن بن يزيد بن حارثة قالا : صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بظهر حرّتنا ، ثم ركب فأناخ إلى عذق عند بئر غرس قبل أن تبزغ الشمس وما يعرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أبي بكر ، عليهما ثياب متشابهة ، فجعل الناس يقفون عليهم حتى بزغت الشمس من ناحية أطمهم الذي يقال له «شنيف» فأمهل أبو بكر ساعة حتى خيل إليه أنه يؤذي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحر الشمس ، فقام فستر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بردائه ، فعرف القوم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجعلوا يأتون فيسلمون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قلت لمجمّع بن يعقوب : إن الناس يرون أنه جاء بعد ما ارتفع النهار وأحرقتهم الشمس ، قال مجمع : هكذا أخبرني أبي وسعيد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن يزيد قال : ما بزغت الشمس إلا وهو جالس في منزلهصلىاللهعليهوسلم.
قلت : ولم أر هذا الخبر في النسخة التي رواها ولد ابن يحيى عن جده ، وقوله «عند بئر غرس» الظاهر أنه تصحيف ، ولعله «بئر عذق» لبعد بئر غرس من منزله صلىاللهعليهوسلم بقباء ، بخلاف بئر عذق ، وإلا فهو قادح فيما يعرفه الناس اليوم من أن بئر غرس هي هي المعروفة بمحلها الآتي بيانه.
وفي كتاب يحيى أيضا عن محمد بن إسماعيل بن مجمّع قال : لما نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على كلثوم بن الهدم هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة قال : يا نجيح ، لمولى له ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم والتفت إلى أبي بكر : أنجحت ، أو أنجحنا ، فقال : أطعمنا رطبا ، قال :