الفصل الحادي عشر
في قدومه صلىاللهعليهوسلم باطن المدينة ، وسكناه بدار أبي أيوب الأنصاري ، وأمر هذه الدار ، وما آلت إليه ، وما وقع من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
قال أهل السير : ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أرسل إلى ملأ بني النجار ، فجاؤوا متقلدين بالسيوف ، وكانوا أخواله ، وذلك أن هاشم بن عبد مناف تزوج منهم امرأة ، وهي سلمى بنت عمرو ، فجاءه منها ولد ، فلما مات هاشم وكبر الغلام مر به قوم من قريش فأبصروه وقد ترعرع وهو ينتضل (١) ويقول : أنا القرشي ، فجاؤوا وأخبروا عمه المطلب بن عبد مناف ، فذهب فجاء به ، فدخل به مكة وهو ردفه وعليه ثياب السفر ، فقالت قريش : هذا عبد المطلب ، فغلب عليه هذا الاسم ؛ فلذلك كان أخواله بني النجار ، فقالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : اركبوا آمنين مطاعين.
وفي البخاري من حديث أنس : قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزل في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف ، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ، ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا بالسيوف ، ثم رواه البخاري بلفظ آخر ، فقال : قدم النبي صلىاللهعليهوسلم فنزل جانب الحرة ، ثم بعث إلى الأنصار فجاؤوا النبي صلىاللهعليهوسلم وأبا بكر فسلموا عليهما ، وقالوا : اركبا آمنين مطاعين ، فركب حتى نزل جانب دار أبي أيوب.
قال الحافظ ابن حجر : تقديره فنزل جانب الحرة فأقام بقباء المدة التي أقام بها وبنى بها مسجده ، ثم بعث إلى آخره.
وفي التأريخ الصغير للبخاري عن أنس أيضا قال : إني لأسعى مع الغلمان إذ قالوا : محمد جاء ، فننطلق فلا نرى شيئا ، حتى أقبل وصاحبه ، فكمنا (٢) في بعض جوانب المدينة ، وبعثا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما (٣) ، فاستقبله خمسمائة من الأنصار ، فقالوا : انطلقا آمنين مطاعين ، الحديث ، ففيه طي لذكر قصة قباء ، إلا أن يريد أن ذلك وقع في مبدأ الأمر عند نزوله صلىاللهعليهوسلم بقباء ، وهو ما اقتضاه رواية رزين ، فإنه قال : عن أنس قال : كنت إذ قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ابن تسع سنين ، فأسمع الغلمان والولائد يقولون : جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنذهب فلا نرى شيئا ، حتى جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر ، فكمنا في
__________________
(١) انتضل القوم : استبقوا بالرمي. و ـ يفتخروا.
(٢) كمنا : استخفا في مكمن لا يفطن له.
(٣) يؤذن بهما : ينذر بهما ويخبر عنهما.