والخزرج بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس ، فأنزل الله في شأنه : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [آل عمران : ٩٨ ـ ٩٩] ، وأنزل الله في الذين صنعوا ما صنعوا من الحيين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) إلى قوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران : ١٠٠ ـ ١٠٣].
وكان حيي بن أخطب وأخوه أبو ياسر من أشد يهود للعرب حسدا لما خصهم الله برسوله صلىاللهعليهوسلم ؛ فكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله تعالى فيهما : (وَدَّ كَثِيرٌمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) إلى قوله : (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ١٠٩].
وحدثت صفية بنت حيي رضياللهعنها قالت : كنت أحبّ ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدهما إلا أخذاني دونه ، فلما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة غدا عليه أبي وعمي مغلّسين (١) ، فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس ، فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا ، فهششت إليهما كما كنت أصنع. فو الله ما التفت إلي واحد منهما ، مع ما بهما من الغم ، وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي : أهو هو؟ قال : نعم والله ، قال : أتعرفه وتثبته؟ قال : نعم ، قال : فما في نفسك منه؟ قال : عداوته والله ما بقيت ، فشقيا بجسدهما ، والله أعلم.
الفصل الثاني عشر
فيما كان من أمره صلىاللهعليهوسلم بها في سني الهجرة
إلى أن توفاه الله عزوجل مختصرا
وقد لخصه رزين من تأريخ أبي حاتم ، فزدت فيه نفائس ميزتها ، فأقول في أولها «قلت» وفي آخرها «والله أعلم» وقد أقام صلىاللهعليهوسلم بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين بالإجماع كما حكاه النووي.
السنة الأولى من الهجرة : وقد تقدم بعض ما فيها من بناء مسجد قباء وغيره.
وقال أبو حاتم : كان فيها بناء المسجد النبوي ، ومات أسعد بن زرارة والمسجد يا بنى ؛ فكان أول من دفن بالبقيع من المسلمين.
__________________
(١) الغلس : ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح.