غزوة بني النضير
قلت : ذكرها بعضهم في الثالثة قبل أحد ، وقال الزهري : كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد ، وذكرها ابن إسحاق في الرابعة بعد بئر معونة وأن سببها أن النبي صلىاللهعليهوسلم جاءهم يستعينهم في دية ، وجلس إلى جنب جدار لهم ، فخلا بعضهم ببعض ، وأمروا عمرو بن جحاش أن يرقى فيلقي عليه صخرة ، فأتاه الخبر من السماء ، فقام مظهرا أن يقضي حاجة ، وقال لأصحابه : لا تبرحوا ، ورجع مسرعا إلى المدينة ، فأمر بحربهم والمسير إليهم ، وأمر بقطع النخل والتحريق ، قال : وحاصرهم ست ليال ، فسألوا أن يجلوا من أرضهم على أن لهم ما حملت الإبل ، فصولحوا على ذلك ، فاحتملوا إلى خيبر وإلى الشام ؛ فكانت أموالهم له صلىاللهعليهوسلم خاصة ، ووافق ابن إسحاق على ذلك جل أهل المغازي ، وأصح منه ما رواه ابن مردويه بسند صحيح أنهم أجمعوا على الغدر ، فبعثوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم : اخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا ، فإن آمنوا بك اتبعناك ، فاشتمل اليهود الثلاثة على الخناجر ، فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم تخبره بأمر بني النضير ، فأخبر أخوها النبي صلىاللهعليهوسلم بأمر بني النضير قبل أن يصل إليهم ، فرجع وصبّحهم بالكتائب ، فحصرهم يومه ، ثم غدا على بني قريظة فحاصرهم ، فعاهدوه ، فانصرف عنهم إلى بني النضير فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل (١) إلا السلاح ، فاحتملوا أبواب بيوتهم ؛ فكانوا يخربون بيوتهم فيهدمونها ويحملون ما يوافقهم من خشبها ، وكان جلاؤهم ذلك أول حشر الناس إلى الشام.
ورواه أيضا عبد بن حميد في تفسيره ، وروى أيضا من طريق عكرمة أن غزوتهم كانت صبيحة قتل كعب بن الأشرف ، وروى أن قريشا كتبوا لبني النضير يحثونهم على حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأضمروا الغدر بالنبي صلىاللهعليهوسلم ولما حرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم نخلهم قال حسان رضياللهعنه يعير قريشا من أبيات :
وهان على سراة بني لؤي |
|
حريق بالبويرة مستطير |
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، ولم يكن أسلم حينئذ :
أدام الله ذلك من صنيع |
|
وحرق في نواحيها السعير |
ستعلم أيّنا منها بنزه |
|
وتعلم أي أرضينا تضير |
أي : ستعلم أينا منها ببعد ، وأي الأرضين أرضنا أو أرضكم يحصل لها الضير : أي الضرر ؛ لأن بني النضير إذا خربت أضرت بما جاورها وهو أرض الأنصار لا أرض
__________________
(١) ما أقلت الإبل : ما نقلته.