المشاة ، ثم روى عن سلمة ـ يعني : ابن الأكوع ـ قال : كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاة ، تجوزها : أي المسافة ، وهي ما بين المنبر والجدار ، وقوله في الحديث الأول «كان بين مصلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم» أي : مقامه في صلاته ، وكذا هو في رواية أبي داود ، وقوله : «وبين الجدار» أي : جدار المسجد مما يلي القبلة كما صرح به من طريق ابن غسان في الاعتصام ، ومنه يعلم ما في قول النووي في شرح مسلم : يعني بالمصلى موضع السجود ، والحديث الثاني رواه الإسماعيلي بلفظ : كان المنبر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما تمر العنز. قال الكرماني في بيان مطابقته للتبويب : إن ذلك من حيث إنه صلىاللهعليهوسلم كان يقوم بجنب المنبر : أي ولم يكن لمسجده محراب ، فيكون مسافة ما بينه وبين الجدار نظير ما بين المنبر والجدار ، فكأنه قال : الذي ينبغي أن يكون بين المصلى وسترته قدر ما كان بين منبره صلىاللهعليهوسلم وجدار القبلة.
قلت : وكأن الكرماني بنى ذلك على ما عهده في غالب المساجد من أن مصلى الإمام يكون إلى جانب المنبر ، وقد تقدم بيان ما بينهما من المسافة وحكاية الإجماع على أنه لم يغير ، وأيضا فلا يلزم من كونه صلىاللهعليهوسلم كان يصلي إلى جانب المنبر أن يكون بينه وبين الجدار نظير ما بين المنبر والجدار كما لا يخفى ، وأوضح مما ذكره ـ كما قال الحافظ ابن حجر ـ ما ذكره ابن رشد من أن البخاري أشار إلى حديث سعد بن سهل الذي في باب الصلاة على المنبر فإن فيه أنه صلىاللهعليهوسلم «قام على المنبر حين عمل ، وصلّى عليه» فاقتضى ذلك أن ما بين المنبر والجدار يؤخذ منه موضع قيام المصلى.
قلت : لكن يلزم من ذلك التأخر عند السجود ؛ لأن ذلك المقدار لا يتأتى فيه السجود ، وقد ثبت رجوعه صلىاللهعليهوسلم القهقرى (١) من أجل السجود لما صلّى على المنبر لعدم تأتيه عليه.
وقال ابن بطال : هذا أقل ما يكون بين المصلى وسترته ، يعني قدر ممر الشاة ، وقيل : أقل ذلك ثلاثة أذرع ؛ لحديث بلال أن النبي صلىاللهعليهوسلم «صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع» كما في الصحيح ، وجمع الداودي بأن أقله ممر الشاة ، وأكثره ثلاثة أذرع ، وجمع بعضهم بأن الأول في حال القيام والقعود ، والثاني في حال الركوع والسجود ، قاله الحافظ ابن حجر.
قلت : ويلزمه التأخر عن موقفه الأول عندهما كما قدمناه ، وهو متعين ؛ إذ لا يتأتى
__________________
(١) رجع القهقرى : رجع على عقبيه.