الباب الثاني
في فضائلها ، وبدء شأنها وما يؤول إليه أمرها ، وظهور النار المنذر بها من أرضها ، وانطفائها عند الوصول إلى حرمها ، وفيه ستة عشر فصلا.
الفصل الأول في تفضيلها على غيرها من البلاد
مكة أفضل أم المدينة
قد انعقد الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة ، حتى على الكعبة المنيفة ، وأجمعوا بعد على تفضيل مكة والمدينة على سائر البلاد ، واختلفوا أيهما أفضل ؛ فذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ومالك بن أنس وأكثر المدنيين إلى تفضيل المدينة ، وأحسن بعضهم فقال : محل الخلاف في غير الكعبة الشريفة ، فهي أفضل من المدينة ما عدا ما ضم الأعضاء الشريفة إجماعا ، وحكاية الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض ، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي قبله كما قال الخطيب ابن جملة ، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم ، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة ، بل نقل التاج السبكي عن ابن عقيل الحنبلي أن تلك البقعة أفضل من العرش.
وقال التاج الفاكهي : قالوا : لا خلاف أن البقعة التي ضمت الأعضاء الشريفة أفضل بقاع الأرض على الإطلاق حتى موضع الكعبة ، ثم قال : وأقول أنا : أفضل بقاع السموات أيضا ، ولم أر من تعرض لذلك ، والذي أعتقده أن ذلك لو عرض على علماء الأمة لم يختلفوا فيه ، وقد جاء أن السموات تشرفت بمواطئ قدميه صلىاللهعليهوسلم بل لو قال قائل : إن جميع بقاع الأرض أفضل من جميع بقاع السماء شرفها لكون النبي صلىاللهعليهوسلم حالّا فيها لم يبعد ، بل هو عندي الظاهر المتعين.
الأرض أفضل أم السماء؟
قلت : وقد صرح بما بحثه من تفضيل الأرض على السماء ابن العماد نقلا عن الشيخ تاج الدين إمام الفاضلية.
قال : وقالوا : إن الأكثرين عليه ؛ لأن الأنبياء خلقوا من الأرض وعبدوا الله فيها ، ودفنوا بها اه.