الحمى التي هي حظ المؤمن من النار ، ثم استمر ذلك بالمدينة ، يعني بعد كثرة المسلمين تمييزا لها على غيرها ، انتهى ، وهو يقتضي عود شيء من الحمى إليها بآخرة الأمر ، والمشاهد في زماننا عدم خلوها عنها أصلا ، لكنه كما وصف أولا ، بخلاف الطاعون ، فإنها محفوظة عنه بالكلية كما سيأتي ، والأقرب أنه صلىاللهعليهوسلم لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك فقال في دعائه : «فحمى إذا أو طاعونا» أراد بالدعاء بالحمى للموضع الذي لا يدخله طاعون كما سنشير إليه في الفصل الآتي ؛ فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء ، بل حمى رحمة بدعائه صلىاللهعليهوسلم كما سنوضحه ، والله أعلم.
الفصل الخامس
في عصمتها من الدجال والطاعون
حراسة المدينة من الدجال والطاعون
روينا في الصحيحين وغيرهما حديث «على أنقاب المدينة ملائكة يحرسونها ، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال» وفيهما أيضا حديث «ليس من بلد إلا سيطؤها الدجال ، إلا مكة والمدينة ، ليس نقب من أنقابها إلا عليه ملائكة صافين يحرسونها ، فينزل السبخة ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل كافر ومنافق» وفي رواية «فيأتي سبخة الجرف ، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة» وفي البخاري حديث «لا يدخل المدينة رعب المسيح ، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان» وفي مسلم حديث «يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى ينزل دبر أحد ، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام ، وهناك يهلك» وفي الصحيحين «قصة خروج الرجل الذي هو خير الناس ، أو من خير الناس ، من المدينة إلى الدجال إذا نزل بعض سباخها فيقول له : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم» الحديث بطوله.
قال معمر فيما رواه أبو حاتم : يرون هذا الرجل هو الخضر عليهالسلام.
وروى أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح عن جابر بن عبد الله قال : «أشرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على فلق (١) من أفلاق الحرة ونحن معه ، فقال : نعم الأرض المدينة ، إذا خرج الدجال ، على كل نقب من أنقابها ملك لا يدخلها ، فإذا كان ذلك رجفت المدينة بأهلها ثلاث رجفات لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه ، وأكثرهم ـ يعني من يخرج إليه ـ النساء ، وذلك يوم التخليص ، ذلك يوم تنفي المدينة الخبث كما ينفي
__________________
(١) الفلق : الطريق المطمئن بين الربوتين.