الفصل العشرون
فيما حدث من عمارة الحجرة بعد ذلك ، والحائز الذي أدير عليها
روى ابن زبالة عن عائشة رضياللهعنها أنها قالت : ما زلت أضع خماري وأتفضل في ثيابي (١) حتى دفن عمر ؛ فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جدارا.
وعن المطلب قال : كانوا يأخذون من تراب القبر ، فأمرت عائشة بجدار فضرب عليهم ، وكانت في الجدار كوة فكانوا يأخذون منها ، فأمرت بالكوت فسدت.
وقال ابن سعد في طبقاته : أخبرني موسى بن داود قال : سمعت مالك بن أنس يقول : قسم بيت عائشة باثنين : قسم كان فيه القبر ، وقسم كان تكون فيه عائشة وبينهما حائط ؛ فكانت عائشة ربما دخلت حيث القبر فضلا ، فلما دفن عمر لم تدخله إلا وهي جامعة عليها ثيابها.
وقال ابن سعد أيضا : أخبرنا يحيى بن عباد قال : حدثنا حماد بن زيد قال : سمعت عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي يزيد قالا : لم يكن على عهد النبي صلىاللهعليهوسلم على بيت النبي صلىاللهعليهوسلم حائط ، وكان أول من بنى عليه جدارا عمر بن الخطاب رضياللهعنه.
قال عبيد الله بن أبي يزيد : كان جداره قصيرا ، ثم بناه عبد الله بن الزبير.
وقال الأقشهري : قال أبو زيد بن شبة : قال أبو غسان بن يحيى بن علي بن عبد الحميد وكان عالما بأخبار المدينة ومن بيت كتابة وعلم ـ : لم يزل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم الذي دفن فيه هو وأبو بكر وعمر رضياللهعنهما ظاهرا حتى بنى عمر بن عبد العزيز عليه الحظار (٢) المزور الذي هو عليه اليوم حين بنى المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك ، وإنما جعله مزورا كراهة أن يشبه تربيعه تربيع الكعبة ، وأن يتخذ قبلة فيصلي إليه.
قال أبو زيد : قال أبو غسان : وقد سمعت غير واحد من أهل العلم يزعم أن عمر بنى البيت غير بنائه الذي كان عليه ، وسمعت من يقول : بنى علي بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ثلاثة أجدر ، فدور القبر ثلاثة أجدر : جدار بناء بيت النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجدار البيت الذي يزعم أنه بنى عليه يعني عمر بن عبد العزيز ، وجدار الحظار الظاهر ، انتهى ما نقله الأقشهري.
قلت : ولم يوجد على الحجرة الشريفة عند انكشافها في العمارة التي أدركناها غير جدار واحد جوف الحظار الظاهر.
وقال ابن سعد : أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي المكي قال : حدثنا مسلم بن
__________________
(١) الفضل : المرأة إذا لبست ثياب مهنتها وكانت في ثوب واحد. ويقال : امرأة فضل : مختالة تفضل في ذيل ثيابها.
(٢) الحظار : كل شيء حجز بين شيئين كحائط البستان. و ـ الأرض المحوطة.