عنه أن القبر جثوة (١) مرتفعة مسنّمة غير شديدة الارتفاع ، عليها قزع من حصىّ وتربة طيبها الله عزوجل. وروى ابن سعد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال : كان نبيث (٢) قبر النبي صلىاللهعليهوسلم شبرا.
ويؤيد التسطيح ما رواه مسلم من حديث فضالة بن عبيد أنه أمر بقبر فسوي ثم قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأمر بتسويتها.
بقي بعدها موضع قبر
وقد تقدم في الرواية الرابعة أنه بقي بعد القبور الشريفة موضع قبر ، ويؤيده ما روي أن عائشة رضياللهعنها أرسلت إلى عبد الرحمن بن عوف حين نزل به الموت : أن هلم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإلى أخويك ، فقال : ما كنت مضيقا عليك بيتك ، الخبر الآتي في ذكر قبره ، وكذلك ما سيأتي في إذنها للحسن أن يدفن عندها ، ومنع بني أمية له. وكذلك ما في صحيح البخاري عن هشام بن عروة أن عائشة أوصت عبد الله بن الزبير : لا تدفنني معهم : أي النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه ، وادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكى به أبدا. وقد أخرجه الإسماعيلي وزاد فيه : وكان في بيتها موضع قبر ، ولكن في الصحيح أن عمر بن الخطاب رضياللهعنه لما أرسل إلى عائشة فسألها أن يدفن مع صاحبيه قالت : كنت أريده لنفسي فلأوثرنه اليوم على نفسي.
قال الحافظ ابن حجر : فكأن اجتهادها في ذلك تغيّر ، أو لما قالت ذلك لعمر كان قبل أن يقع لها قصة الجمل ، فاستحيت بعد ذلك وإن كانت زوجته صلىاللهعليهوسلم في الدنيا والآخرة كما قاله عمار أحد من حاربها ، انتهى.
وقال ابن التين : كلامها في قصة عمر يدل على أنه لم يبق ما يسع إلا موضع قبر واحد ، فهو يغاير قولها «لا تدفنني عندهم» فإنه يشعر بموضع للدفن ، والجمع بينهما أنها كانت تظن أولا أنه لا يسع إلا قبرا واحدا ، فلما دفن [عمر] ظهر لها أن هناك وسعا لقبر آخر ، أو أن الذي آثرته به المكان الذي دفن فيه من وراء قبر أبيها بقرب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وذلك لا ينفي وجود مكان آخر في الحجرة.
وروى يحيى بسنده إلى عثمان بن الضحاك عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال : يدفن عيسى بن مريم مع النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه ، ويكون قبره الرابع.
وفي سنن الترمذي من طريق أبي مودود عن عثمان بن الضحاك عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال : مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى ابن مريم
__________________
(١) الجثوة : الكومة من تراب وحصى.
(٢) النبيثة : تراب البئر والنهر. (ج) نبائث. والمراد أن الماء الذي حول القبر مقدار الشبر.