الناصر محمد بن قلاون اشترى قرية من بيت مال المسلمين بمصر ، ووقفها على كسوة الكعبة المشرفة في كل سنة ، وعلى كسوة الحجرة المقدسة والمنبر الشريف في كل خمس سنين مرة ، هكذا ذكره التقي الفاسي في شفاء الغرام.
وذكره الزين المراغي إلا أنه قال في الوقف على كسوة الحجرة : في كل ست سنين مرة ، تعمل من الديباج الأسود المرقوم بالحرير الأبيض ، ولها طراز منسوج بالفضة المذهبة دائر عليها ، إلا كسوة المنبر فإنها بتقصيص أبيض.
قلت : وما ذكراه من المدة المذكورة بالنسبة إلى الحجرة كأنه كان معمولا به في زمانهما ، وأما في زماننا فيمضي عشر سنين ونحوها ولا تعمل ، نعم كلما ولي ملك بمصر فإنه يعتني بإرسال كسوة.
وذكر الحافظ ابن حجر في الكلام على كسوة الكعبة أن الصالح هذا اشترى حصة من بلد يقال لهل سندبيس ، اشترى الثلثين منها من وكيل بيت المال ، ووقفها على هذه الجهة ، ولم يتعرض لكسوة الحجرة ، فلعل الثلث الثالث الذي لم يذكره يتعلق بكسوة الحجرة لما قدمناه ، ويحتمل أن ما يرد من الكسوة من جهة الملوك ، لا من وقف ، وعادتهم إذا وردت كسوة جديدة قسم شيخ الخدام الكسوة العتيقة على الخدام ومن يراه من غيرهم ، ويحمل إلى السلطان بمصر منها جانبا ، وحكم بيع كسوة الحجرة كحكم بيع كسوة الكعبة ، وقد اختلف العلماء في ذلك قديما ، وفي المسألة عندنا وجهان.
وقال الحافظ صلاح الدين خليل العلائي : إنه لا يتردد في جواز ذلك الآن ؛ لأن وقف الإمام للضيعة المتقدمة على الكسوة كان بعد استقرار هذه العادة والعلم بها ، فينزل لفظ الواقف عليها ، انتهى ، والله أعلم.
الفصل الخامس والعشرون
في قناديل الذهب والفضة التي تعلق حول الحجرة الشريفة ،
وغيرها من معاليقها
القناديل
اعلم أني لم أر في كلام أحد ذكر ابتداء حدوث ذلك ، إلا أن ابن النجار قال ما لفظه : وفي سقف المسجد الذي بين القبلة والحجرة على رأس الزوار إذا وقفوا معلّق نيف وأربعون قنديلا كبارا وصغارا من الفضة المنقوشة والساذجة ، وفيه اثنان بلور ، وواحد ذهب ، وفيها قمر من فضة مغموس في الذهب ، وهذه تنفذ من البلدان من الملوك وأرباب الحشمة والأموال ، انتهى.