متفاوت العرض ؛ فجعلوا ما يلي المشرق منه ـ وهو الموضع المحاذي للأسطوانة التي وقعت الزيادة في العرض لأجل إدخالها وإدغامها بذلك ـ أزيد من الجهة التي تلي المغرب منه بنحو نصف ذراع ؛ فإنهم جعلوا عرض الجدار في هذه الجهة من أسفل عقد القبة نحو ثلاثة أذرع بذراع اليد ، وعرضه في الجهة الأخرى دون ذلك بنحو نصف ذراع ، بحيث صارت جهة الأسطوان المذكور بارزة عن بقية ذلك الجدار في الرحبة المذكورة كما سيأتي تصويره.
وقد جعلوا على رأس هذا الجدار بناء يسيرا مما بقي من اللبن الذي أخرج من بعض جدار الحجرة كما تقدم وصفه ، بعد أن تفرق اللبن المذكور ، وأخذ الكثير منه.
وتركوا في نحو وسط هذا الجدار خوخة ، فلما لم يبق إلا هي أدخلوا منها شيئا كثيرا من الحصباء جاءوا بها من عرصة العقيق من جنس حصباء المسجد بعد غسلها بالماء ليضعوها على القبور الشريفة ، وكنت قد ذكرت لبعضهم أن موضع القبر الشريف النبوي مما يلي الجدار القبلي ، وأنه يستنبط مما قدمناه في مسمار الفضة المحاذي للوجه الشريف أن أول القبر الشريف من جهة المغرب على نحو ذراعين بذراع اليد من الحائط الغربي ؛ لأنا إذا أسقطنا عرض الجدارين الغربيين ـ وهما الجدار الداخل والخارج ، وهو نحو ثلاثة أذرع مما بين المسمار وأول الجدار الظاهر الغربي وهو نحو خمسة أذرع كما تقدم ـ كان الباقي نحو الذراعين إلى الرأس الشريف ، فاستحسن ذلك ، فحضر معهم لما دخلوا من الخوخة المذكورة لوضع الحصباء على القبور الشريفة ، فوضعوا ذلك على المحل الشريف المذكور كما وصفت ، وأخذوا بالهيئة المشهورة في كيفية القبور الشريفة من أن رأس أبي بكر رضياللهعنه خلف منكب النبي صلىاللهعليهوسلم ، ورأس عمر رضياللهعنه خلف منكب أبي بكر ، فوضعوا الحصباء عليهما كذلك وكان بعض المباشرين لذلك حنفيا ـ وهو صهر متولي العمارة ـ فجعلها مسنّة ، وذلك بعد أن أكثروا في الموضع المذكور من البخور بالعود والعنبر وغيرهما من أنواع الروائح ، وعرف المحل الشريف على ذلك كله راجح فائح ، ولله در القائل :
بطيب رسول الله طاب نسيمها |
|
فما المسك ما الكافور ما المندل الرّطب |
وألقى جماعة من الناس من تلك الخوخة أوراقا كتبوا فيها التشفع بالنبي صلىاللهعليهوسلم ومارب يسألونها بالحجرة الشريفة ، ثم سدوا الخوخة المذكورة ، وأحكموا بناءها كبقية الجدار ، وبيضوا القبة المذكورة وجميع جدرانها من خارجها بالجص ، وجاءت حسنة فاض عليها أنس المحل الشريف ، ونصبوا بأعلاها هلالا من نحاس يظنه الرائي ذهبا ، وهو قريب من سقف المسجد الأول ؛ فإن القبة المذكورة تحته ، ثم سدوا ما بقي من نقب الجدار الظاهر ، وحضرت معهم في ذلك الوقت ، وحضرت أيضا بعض بناء الحجرة الشريفة ، وتبركت بالعمل فيه ، ولم أحضر غير ذلك طلبا للسلامة ، وأنشدت في ذلك المحل الشريف قصيدتي التي تطفلت بها على واسع كرم الجناب الرفيع الحبيب الشفيع الحالّ بذلك الحمى المنيع ، التي أولها :