التي بينها وبين ركن صحن المسجد الغربي اليوم أسطوانتان بسبب زيادة الرواقين المتقدم ذكرهما في مؤخر المسقف المذكورة ، وهذا الحجاب المذكور قد اندفن اليوم فلا يظهر منه شيء ، والظاهر أنه كان بين السواري المطيفة بصحن المسجد من المشرق والمغرب حجاب مثل ذلك ، وكانت بقاياه ظاهرة فيما يلي الدكاك من المسقفين المذكورين قبل حدوث ما سبق من الدكاك بهما ، والمسقف القبلي اليوم أرضه عالية على ما يليه من الصحن يسيرا ؛ فلا يغشاه مياه الأمطار ، لكن وطأه متولي العمارة بعد الحريق الثاني حتى ساوى به أرض المصلى الشريف كما سبق ، فاحتاج إلى عمل حجاب من الأحجار بين السواري التي تلي رحبة المسجد من جهة القبلة وما حولها.
عدد بالوعات المسجد
وأما عدد البالوعات بصحن المسجد فقد ذكر ابن زبالة ويحيى أن به أربعا وستين بالوعة لماء المطر عليها أرحاء لها صمائم من حجارة يدخل الماء من خلالها.
قلت : ولا يظهر به اليوم غير بالوعة واحدة لها فوّهتان ، وهي عند الحجرين المتقدم ذكرهما في تجديد المسجد ، وإحدى الفوهتين إلى جانب الحجرين من القبلة ، والثانية إلى جانبهما من جهة الشام ، ويجتمعان في بئر واحدة هناك ، وعليهما حجران كالأرحاء ، وفي أسفل ما على فوهتيهما من ذلك مشبك يدخل الماء من خلاله ليمنع نزول الحصباء هناك ، ومع ذلك فقد بحروها في العمارة المتقدم ذكرها أولا ، فخرج منها شيء كثير من الحصباء.
سقايات المسجد
وأما السقايات التي كانت به فذكر ابن زبالة أنه كان في صحن المسجد في زمنه تسع عشرة سقاية ، وذلك في صفر سنة تسع وتسعين ومائة ، منها ثلاث عشرة أحدثتها خالصة ، وهي أول من أحدث ذلك ، ومنها ثلاث سقايات لزيد البربري مولى أمير المؤمنين ، ومنها سقاية لأبي البحتري وهب بن وهب ، ومنها سقاية لشجن أم ولد هارون أمير المؤمنين ، ومنها سقاية لسلسبيل أم ولد جعفر بن أبي جعفر. وقد أورد ذلك ابن النجار مترجما عليه بذكر السقايات التي كانت في المسجد ، ثم قال : وأما الآن فليس في المسجد سقاية إلا في وسطه. قال : وفيه بركة كبيرة مبنية بالآجر والجص والخشب ينزل إليها بدرج أربع في جوانبها ، والماء ينبع من فوارة في وسطها تأتي من العين ، ولا يكون الماء فيها إلا في أيام المواسم إذا جاء الحاج ، وبقية السنة تكون فارغة. عملها بعض الأمراء بالشام ، واسمه شامة. قال : وعملت الجهة أم الخليفة الناصر لدين الله في مؤخر المسجد سقاية كبيرة فيها عدة من البيوت ، وحفرت لها بئرا ، وفتحت لها بابا إلى المسجد في الحائط الذي يلي الشام ، انتهى.